الشعب في قوارب الموت... وقوى النظام تحترب على فتات السلطة


سقطت المبادرة الفرنسية الأولى وسط تباينات دوليّة وإقليمية حول كيفية إدارة الصراع والتوازنات في لبنان، ووسط حفلة تناتش طائفي محليّ، على وزارات قديمة وأعراف جديدة وبدع مستمرّة. كلّ فريق يريد أعرافه الجديدة، حيث نشأت قدرة عجائبية بين ليلة وضحاها عند نادي رؤساء الحكومة السابقين فصاروا هم من يشكّلون الحكومات ويحلّلون ويحرّمون بعد أن أعاثوا في عهودهم الديون والفساد والإفقار والفشل. أمّا الفريق الآخر، فيريد صرف فائض قوّته عبر انتزاع وزارة المالية كجائزة مستدامة للطائفة الشيعية حصراً وليس لفريقه السياسي أو لحلفائه عموماً، وكأنّ عهد وزرائه في المالية تميّز بالمنّ والسلوى والإصلاحات الباهرة المبهرة.

فشلت محاولات التأليف، وتعثّرت المبادرة ولم يسقط معها لا المندوب السامي الجديد إيمانويل ماكرون، ولا نادي رؤساء الحكومات السابقين الفاسدين ولا مشروع المثالثة المذهبية الرخيص. كلّهم جاهزون يتحضرون للانقضاض على محاولة التأليف المقبلة، وربّما على مؤتمرات تأسيسية جديدة، ويتنازعون أطراف التفاوض والتسويات، على جثّة لبنان واللبنانيين.

اللبنانيون يصطفّون على أبواب السفارات هرباً منهم، وينزلون إلى الساحات والطرقات اعتراضاً عليهم، ويبتدعون الهجائيات في ذمّهم علناً حيناً وسراً أحياناً. يركبون قوارب الموت صوب مقبرة البحر الأبيض المتوسط، هرباً من الجحيم إلى الجحيم. يجوعون ويأنّون، فتطرب آذان رؤسائهم ومسؤوليهم فرحاً لتلك الأصوات الشجيّة.

تقترب ذكرى 17 تشرين، حيث مرّت سنة كاملة على انطلاقة أعظم انتفاضة شعبية في تاريخ لبنان الحديث، وهي التي حملت في أحشائها غضب الناس على قوى السلطة جمعاء، ومعها حلمهم في وأد الاستغلال والإفقار والمذهبية التي تعود الآن كي تطلّ برأسها لتقضي على آمالهم وأحلامهم وتعيد لبنان إلى دوّامة التبعية والوصاية والمذهبية والفساد والفشل نفسها. تقترب الذكرى، ولعلّها تكون مناسبة لإعادة تجميع صفوف الغضب الاجتماعي العارم وتحفيز بناء البديل السياسي القادر على بناء السلطة البديلة.