بدايةً، إنّ الحديث حول الصحة النفسية للشباب أمر من الضروري الإضاءة عليه في ظلّ واقعنا المأساوي الذي نعيشه اليوم. إذا تطرّقنا إلى علم النفس لا نجد علم نفس للشباب تحديداً، نجد علم نفس للأطفال، للمراهقين وللراشدين فقط. فالشباب ظاهرة مستجدة عالمياً، ففي القرون السابقة ولنأخذ مثالاً الزواج ( كان الزواج في السنّ المبكرة ظاهرة منتشرة في العالم وبخاصةٍ في الدول العربية) .. وبذلك فإن مرحلة الشباب مغيّبة. فهم يعبرون من سن المراهقة إلى الرشد مباشرةً. أما اليوم ومع التطوّر الذهني والفكري والوعي المكتسب نشهد تطوّراً لهذه الفئة حول أهدافها، حياتها، حقوقها.
يواجه الشباب اليوم، ظاهرة أطلق عليها المفكّر مصطفى حجازي، في مقابلة مع الصحافي جاد غصن، بظاهرة "تأخُّر الأهلية"، ولذلك نحن بأمسِّ الحاجة إلى علمٍ للشباب، وهو علم متعدّد الإختصاصات: ( علم نفس، علم إجتماع، علم إقتصاد وساسية، وعلم الإعلام). لأن شريحة الشباب معقّدة. فالكتلة الشبابية اليوم تشكّل فائضاً عن اللّازم لسوق العمل، وهنا سأتطرّق إلى العملية التي قام بها برجينسكي(سكرتير الأمن القومي المعروف في أميركا ) الذي اخترع بدوره صيغة أطلق عليها اسم "رضاعة التسلية" وهي عبارة عن الإلهاء. تتجسّد مظاهرها في وسائل التواصل الإجتماعي، البرامج التلفزيونية، الألعاب الإلكترونية، نجومية الفن وغيرها. وبالمناسبة تخلق هذه الظاهرة عند الشباب صيغة "غرس الأحلام". يسعى الشباب من خلال هذه الصيغة القفز فوق حاجز الفقر ليصبح غنياً ومشهوراً. وهذه العملية بمظهرها الجميل ليست سوى عملية متبّعة لترويض غضب الشباب وحلّ مشكلة سياسية من خلال تخدير هذه الفئة.
وبعد التعريف عن ضرورة وجود علم نفس للشباب وعن الأساليب المتبّعة لتخدير هذه الفئة، يجب الآن معرفة الشرائح المتواجدة داخل هذه الفئة. لدراسة مرحلة الشباب لا بدّ من تجزئتها إلى أربعة شرائح، لا يمكننا دراستها ككتلة واحدة.
الشريحة الأولى، وهي النُخبة التي تُسارع الدولة لاستقطابها، هذه الشريحة التي تحصل على فرص عمل ببساطة، كونها تتمتّع برعاية صحية، نفسية وأسرية ممتازة، تسمح لهم بتولّي أرقى المناصب على صعيد مجالات متعدّدة.
الشريحة الثانية، وهي شريحة الشباب المحظي، أبناء مُحدثي النعمة، وهي ظاهرة منتشرة في لبنان (الذين حقّقوا ثروات من جرّاء التهريب والنصب والتحايل وتبييض الأموال...) لماذا هذه الفئة أكثر عرضةً للفساد؟ ببساطة إن هذه الفئة لا تتمتع بعناية أسرية فالأولاد متروكين مع المربيات لذلك يولد لديهم فراغ عاطفي يغطيه الأهل من خلال الرشى الماديّة. لذلك هي مهدّدة بالإنحراف نحو المخدرات وغيرها.
الشريحة الثالثة، وهي شريحة الشباب الكادحين(كطلاب الجامعة اللبنانية)، هذه الفئة هي التي لم تتوفر لها فرص عمل رغم تمتّع أفرادها بكفاءة عالية. فغالبية هذه الشريحة شاركوا في الإنتفاضة، فهم يعيشون في مأزق وهم حجر الأساس أو يمكن أن نطلق عليهم جيل الثورة التي يبنى عليها رهان التغيير السياسي في لبنان.
أما الشريحة الرابعة والأخيرة، وهي شريحة الشباب المهمَّش، هم وقود العنف. فهذه الشريحة لا تتمتّع بأي رعاية على الصعد كافّة، أي لا قيمة لهم في هذه الدولة. لذلك تتصارع عليها العصبيات وزعماؤها وأحزاب السلطة لتستولي عليها، واستخدامها في افتعال الحروب والمشاكل(كالحرب الأهلية أو الحرب بين جبل محسن وباب التبانة) وهم الذين اعتدوا على المنتفضين في رياض الصلح وساحة الشهداء. فإن هذه الفئة تسعى إلى العنف لإبراز نفسها أي للحصول على قيمة ذاتية والتحوّل من شخص لا قيمة له إلى سيّد ساحة. ولكن ما يجهلونه أنهم مسيّرون ضدّ مصلحتهم (بشير الجميل، كان من فئة النخبة ولكنه استخدم هذه الفئة المهّشمة في الحرب الأهلية وسيّرها ضدّ مصلحتها. وذلك يسري على زعماء الأحزاب الطائفية اليوم).
قد يواجه الشباب صعوبات عديدة أثناء مرحلتيْ الطفولة والمراهَقة - والتي - من شأنها التأثير على الصحة النفسية للشباب، بما في ذلك الضغط المتزايد بكافة أنواعه من قِبل كُلٍّ من المدرسة أو العائلة أو الأصدقاء، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ناهيك عن محاولة التعامل مع عملية التنمّر، والتنمّر الإلكتروني، وهويتهم، وجنسهم وتخطّي سنّ البلوغ. كما قد تؤدّي هذه المجموعة المتعدّدة من عوامل الضغط التي تقع على كاهل الشباب إلى خوض صراعات وتجارب عاطفية بهدف مواجهة السلوك غير الصحي الذي ينطوي على المخاطر.
قد تتطوّر هذه التجارب بالنسبة لبعض الأفراد فيما بعد حتى تصل إلى حالات نفسية وخيمة، على سبيل المثال ما يلي:
- القلق
- الاكتئاب
- اضطرابات التغذية (اضطراب نهم الطعام واورثوركسيا وغيرها من اضطرابات التغذية أو التغذية المحدّدة)
- الاضطرابات الخاصة بإدمان المخدرات (إساءة استعمال الأدوية المخدرة على سبيل المثال الماريجوانا والمخدرات المستخدمة في الحفلات والنوادي مثل (كيتامين وغاما - هيدروكسي بيوتيرات وإكستاسي) والكوكايين والكحول وغيرهم).
بالإضافة، هناك العديد من المشاكل المتعلّقة بالصحة النفسية للشباب، مرتبطة بعمليات الإدمان السلوكي. على سبيل المثال المقامرة والاضطرابات الخاصة باستخدام الأنترنت وإدمان المواد الإباحية وإدمان ممارسة الجنس والحبّ والتعلق العاطفي المرضي وإدمان ألعاب الفيديو. هذا، ويعاني ما يقارب 5% من المراهقين من اضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط. هم يسعون جاهدين لشقّ طريقهم خلال مرحلة المراهقة والتأقلم مع التحديات المختلفة التي تواجههم.
تُعاني مجموعة كبيرة من البالغين مشاعر الفشل وقلة احترام الذات. خاصة في حالة عدم حصولهم على درجات معيّنة، أو في حال فشلهم في المدرسة أو الجامعة، ومن ثم يتعيّن عليهم العودة للعيش مرة أخرى مع ذويهم. يعاني العديد من الأطفال الصدمات النفسية الناجمة عن التفكّك الأسري حينما ينفصل الوالدين أو يموت أحد المقرّبين لهم.
تساهم كلّ هذه الأمور في زيادة نسبة الإحصائيات الباعثة على القلق حول زيادة حالات انتحار المراهقين. فإن المشاكل المتعلّقة بالصحة السلوكية أو العاطفية أو العقلية من شأنها التأثير على أي من الفئات العمرية. وفي الحقيقة، تزداد هذه النسب بين الأطفال والشباب أكثر من أي من الفئات العمرية الأخرى. كما أثبتت الدراسات أنّه من المقرّر أن يواجه واحد من بين أربعة أفراد تحت سنّ 19 عاماً العديد من المشاكل الخاصة بالصحة النفسية.