لم يشكل الطرح مشكلة، لكن مضمونه أقلق "الحرس القديم"، وتمكنت الصفحة من الصمود عاماً كاملاً. لم يكن نعمة صحافياً في "النداء" بشكلٍ مباشر، بل كان منتسباً إلى الحزب في مدينة طرابلس. طلب منه عام 1985 التوجه إلى بيروت للعمل في إذاعة صوت الشعب. حينذاك كانت الإذاعة مقسومة بين قسم موجود في مبنى جريدة النداء في الوتوات، وقسم في الرميلة. مكث لفترة بسيطة في بيروت بهدف التعرف على الإذاعة وطريقة العمل فيها. وبعد ذلك أُرسل إلى محطة الرميلة التي كانت تحت إشراف طانيوس دعيبس، الذي أصابه مرض مفاجئ أرغمه على ترك الإذاعة. تسلم في صيف ذلك العام مسؤولياته في محطة الرميلة، وأمضى كامل وقته فيها قبل أن يُتخذ قرار نقل الإذاعة إلى بيروت بشكل كامل.
بات العاملون في الاذاعة موجودين بشكلٍ دائم مع صحافيي "النداء"، فخطر له العمل على مشروع مميز للشباب، لكونه استلم في إحدى الفترات مسؤولية قطاع الشباب والطلاب في الحزب. وكان هذا المشروع الأول من نوعه بين كل صحف لبنان، فقام على فكرة تخصيص صفحة للشباب في الجريدة تحت عنوان "وجهة نظر". ناقش الفكرة مع كريم مروة وغسان الرفاعي، ثم طرح الفكرة أيضاً على المسؤولين في الجريدة من حسن الشامي وملحم أبو رزق ويوسف خطار وغيرهم. وافق المسؤولون في الجريدة على هذه الفكرة، وتم الاتفاق على أن تنعم هذه الصفحة بهامش أوسع من الحرية مقارنة بمجمل الجريدة وأن لا تكون هذه الصفحة حزبية 100% بالمعنى التقليدي.
خصص العدد الأول لأنور ياسين، الذي اعتقل عام 1987 بعد عملية لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بالقرب من مزارع شبعا. بعدها تحولت الصفحة إلى أسبوعية تصدر في العدد الخاص يوم الأحد.
شكل كتاب الصحيفة جزءاً أساسياً من كتابها، وكانت تمثل لهم هذه الصفحة فسحة يكتبون فيها ما هو مختلف عن الذي كان يكتب في صفحات الجريدة الأخرى. كان من كتاب الصفحة مثلاً غسان ديبة، وشخصٌ آخر اسمه حسان مشورب الذي كان يكتب باسم مستعار، كما كتب فيها ابراهيم الأمين وزاهي وهبة ويحيى جابر وحسن علوش ومنى سعيدون واسكندر حبش ويوسف بزي وغيرُهم من الأسماء. والمذكورون كانوا من الكتاب المتكررين في الصفحة.
أثارت الصفحة إعجاب الكثيرين من داخل الحزب وخارجه، وأصبح الناس يهتمون بها لأنها كانت الأولى من نوعها في لبنان، إذ لم تكن الصحف الأخرى قد خصصت صفحات شبابية بعد. بدأت الملاحظات تأتي إلى الصفحة حيال ما يرد في بعض المقالات، وبعد عامٍ تقريباً حاول المسؤولون إخضاع الصفحة للرقابة، وتضييق هامش الحرية فيها. على إثر ذلك وبعد المحاولات المتكررة لإخضاع الصفحة للرقابة اعتذر نعمة عن المتابعة، وتوقفت الصفحة.
ترافق ذلك مع محاولات إصلاحية في قطاع الشباب والطلاب، إذ تقدم نعمة باقتراحات إصلاحية عديدة كانت تعد غريبة في تلك الأيام، فلم تتجاوب القيادة معها، مثل إصدار مجلة شبابية ذات طابع اعلاني، تنشر فيها الأحداث الثقافية التي تهم الشباب، أي ما يشبه "Agenda culturally" اليوم. وقد استقى هذه الفكرة من رحلة قام بها إلى فرنسا تعرف خلالها على منشور يدعى "l'officiel". كما طرح على قيادة الحزب مشروعاً مشابهاً: مجلة إعلانية تتوجه إلى الشباب وتعنى باهتماماتهم من السينما وغيرها. وكان السبب في رفض هذا المقترح اعتباره غير جديّ بما فيه الكفاية.
تناولت الصفحة قضايا مختلفة كالوضع في لبنان، وكانت داعمة للبريسترويكا والأفكار التجديدية. كما أنه كان يكتب سلسلة مقالات بشكل أسبوعي كتعليق في "النداء" عندما تحولت إلى مجلة، باسم "أيوب" المستعار بهدف إلى شرح الأوضاع للعمال. حينذاك لم يحتمل التوجه المحافظ في قيادة الحزب هذه المقالات، ولا حتى المناهج التثقيفية التي كان ينظمها، وهذا كلفه مسؤوليته في التثقيف، وتسلم بدلاً عن ذلك مجلة الطريق لثلاثة أعداد فقط.
لا يرى نعمة دوراً للإعلام الحزبي اليوم، إذ إن الأمر متعلق بالمشروع السياسي، فإما يمثل المشروع الطليعة في العالم المعاصر نحو المستقبل وإما يعيش في الحنين إلى الماضي. "في المبدأ لا مشكلة مع الحنين"، يقول نعمة ويضيف: "أنا أحنّ أيضاً في بعض الأوقات، لكنّ العيش في الماضي وتحجر الفكر والعقل هما المشكلتان الأساسيتان اليوم".
يشير أنه اذا أراد أي حزب أن يحظى بإعلام ديمقراطي عليه أن يكون هو نفسه كذلك، وإلا فمشروعه الإعلامي سيسقط حتماً. وفي عودة إلى الماضي يختصر نعمة لحظاتٍ جميلة بقوله: "حقّاً كتبنا موادّ مهمة ورائعة مع كل هذه الأسماء اللامعة التي أصبحت اليوم في مواقع مختلفة".