ليندا مطر.. الأثر الطيب في عيون أمي

المرة الأولى التي تناهى إلى مسمعي إسم المناضلة ليندا مطر كانت عن طريق أمي.
وأمي لمن لا يعرف كانت مناضلة في صفوف النساء المنضويات في عضوية لجنة حقوق المرأة اللبنانية، لذلك لا أظنني سوف أكتب عن إحداهن دون ذكر الأخرى.
كما كانت ليندا مطر إمرأة مؤثرة في حياة الكثيرات فقد كان لهؤلاء النساء تأثيرهن في صلب حياة هذه المرأة القائدة والرائدة بهدوء لافت للإنتباه.

لست أدري كيف توصل "يوهان جوته" إلى مقولته الشهيرة من ان المرأة هي آخر ما توصلت إليه الحضارة، وافكر إذا ما كان المقصود أن وضع المرأة معيار ومقياس الحضارة وفي هذا انطباق على مثال ليندا مطر وتأثيرها في المجتمع.
هكذا كان الإسم يتردد على مسمعي في البيت، هي وأم عدنان وعزة الحر ومارسيل حنينة وسينا الخليل وغيرهن ممن لا يتسع المقال لتعدادهن. في الإعلام يتداولون القابا مثل أيقونة النضال وعميدة العمل النسوي، وهي ألقاب لا أستسيغها. ليندا مطر هي رائدة بالفعل من حيث كونها من أوائل النساء الرفيقات اللواتي خضن غمار الحقل العام بحثا عن ما يدعم تحررهن قانونيا ومؤسساتيا.
لعب تعرفها عبر دورية يسارية على الفكر الإشتراكي دوره في تأسيس وعيها السياسي وتشكل ملامح هويتها النضالية الإنسانية الأممية.
قافلة طويلة من النساء اللواتي آمنّ بأنفسهن وبحقوقهن وفرضن ذلك على المحيط.
إقترن إسم ليندا مطر بالنضال خلال أكثر من أربعين عاماً من أجل حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل وذلك من خلال لجنة حقوق المرأة والجمعيات غير الحكومية التي أسستها.
انتخبت رئيسة للمجلس النسائي سنة 1996 لمدة أربع سنوات، وترشحت للانتخابات النيابية في السنة نفسها، ولكنها لم تنجح وهذا الأمر كان محتوما بسبب القوانين الإنتخابية المفصلة على قياس الطوائف.
شاركت في العديد من المؤتمرات العربية والإقليمية كمؤتمرات الامم المتحدة في المكسيك وكوبنهاغن ونيروبي وبكين حيث قدمت محاضرة بعنوان "المرأة والنزاعات المسلحة".
سخّرت ليندا قلمها في خدمة القضايا التي دافعت عنها، فكتبت العديد من المقالات حول موضوع المرأة والديمقراطية وحقوق الإنسان كما انتخبت عضواً في مكتب "المجلس الاقتصادي والاجتماعي" في لبنان.
وإذا فتحت محركات البحث مثل غوغل سوف تجد لهذه السيدة العظيمة مشاركات في نحو ستين مؤتمراً نسائياً حول قضايا المرأة في مختلف البلدان والقارات.
كما رشحت نفسها من خارج المحادل للإنتخابات النيابية لدورتين وهذه تعد جرأة وتحديا للنظام الطائفي المقيت.
إلا أن الأثر الذي تركته في حياة نساء كثيرات انضوين في صفوف هذه اللجنة هو الأهم. لقد تحول بيتنا إبان تلك الفترة إلى مركز لعقد دورات محو امية وإسعافات اولية.
اذكر ان أمي كانت تحجز غرفة الجلوس في البيت لأوقات محددة أسبوعيا وتجمع نساء الحي وتتحول إلى صف لنساء كبيرات يتعلمون حروف الهجاء وتوزع عليهن دفاتر وأقلام رصاص ومحايات .
المنظر كان مثيرا للإعجاب وكنت أختلس النظر من الغرفة المجاورة، بالنسبة لي ان أرى نساء وفتيات بعمر امي يتعلمن القراءة والكتابة.
الأثر يتركه البشر وراءهم، فهناك من يمكن نسيانهم بمرور الزمن وآخرين يتركون بصمات أبدية.

ليندا مطر أثّرت في حياة الكثير من النساء إيجابا وزرعت في حياتهن بذرة التطور والثقة بالقدرة والمعرفة، لذلك هي تستحق ان تكون قدوة تحتذى في العمل النضالي وتراكم الخبرات والتجارب وإن كنت لا اعلم لماذا لا ينبت على جانب القادة الكبار أشخاص يتتلمذون في مدرستهم وبإمكانهم تولي المهام بنفس البراعة.
لاحقا تعرفت على المناضلة ليندا مطر المرأة القوية التي تمتلك شعرا أبيضا مثل الجدات ولا تهتم للماكياج وباقي الأكسسوارات من دون أي إحساس بالنقص أو الإختلاف على نحو سلبي لا بل على العكس من ذلك، فقد كانت إمرأة تشع جمالا وطيبة وحضورا كاريزماتيا هائلا.
ليندا مطر في كل المؤتمرات والندوات وورش العمل والإجتماعات في المدينة والريف.
تتماهى اللجنة في القائدة وتنصهران معاً فأين اليوم هي لجنة حقوق المرأة، يحق لنا أن نتساءل!
نريد نحن النساء زرع روح القيادة في نفس كل إمرأة لتكون بذرة ومشروع قيادة في المستقبل.
يبدو ان الديمقراطية وتداول السلطة مفهوم بعيد وعصي عن التطبيق في هذه البقعة من الشرق.
تحية لكن من ترك أثرا نتحدث عنه بفخر بعد رحيله.. تحية لتأثير ليندا مطر في أمي.
(*) شاعرة وصحافية لبنانية

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 412
`


أغنار عواضة