الأول من أيار في لبنان: مراجعة تاريخية

في الأول من أيار من كل عام، تحتفل الطبقة العاملة اللبنانية وحركتها النقابية منذ عام 1907 بعيد العمال، حيث أقيم احتفال رمزي في أول أيار 1907 في منطقة الروشة في بيروت، بدعوة من بعض المثقفين نذكر منهم خير الله خير الله ومصطفى الغلايني وداوود مجاعص وفيليكس فارس وجرجي نقولا باز، مع رفاق لهم عرفوا "بالشبيبة الحرة".

وفي العام 1923 قررت جمعية عمال الدخان في بكفيا الاحتفال بذكرى عيد العمال في الأول من أيار، الذي أقيم في إحدى الأحراج على ضفاف نهر الكلب بمشاركة حشد من العمال، كما شارك فيه بعض جنود البحرية الفرنسيين.
وبعد تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني في 1924/10/24 ، تقرّر إقامة مهرجان خطابي في صالة سينما كريستال قرب ساحة الشهداء للاحتفال في الأول من أيار 1925. واتخذ الحزب قراراً بتوزيع بيان على جميع المصانع والمعامل جاء فيه: إن الحزب الشيوعي اللبناني الذي أسسه عمال لبنان وفلاحوه وجعل من مطالبه الجوهرية رفع الظلم عن الطبقة العاملة، ينادي العمال في كل البلاد ليشاركوا مع أعضاء الحزب في الإضراب عن العمل في أول أيار الذي هو العيد الرسمي الوحيد لجميع العمال في العالم، ويرجو منهم أن يظهروا وحدتهم والمشاركة في المهرجان من أجل تحقيق المطالب التالية:
1- تحديد أوقات العمل اليومي 8 ساعات.
2- تحديد حد أدنى للأجور لضمان معيشة العمال.
3- إقرار قانون يحمي العمال (قانون عمل).
4- حوادث العمل للعمال يتحمل مسؤوليتنا أصحاب العمل".
في مطلع القرن الماضي تمكّن العمال من تأسيس بعض الجمعيات وفقاً للنظام العثماني جمعية عمال الدخان في بكفيا وجمعية عمال المطابع، وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 وهزيمة السلطنة العثمانية وانتصار الفرنسيين والبريطانيين واحتلال لبنان وفرض الانتداب الفرنسي الذي حاول مع أعوانه في الداخل، مبتدئاً بنشاطه التخريبي بين جماهير العمال ونقاباتهم والترخيص بتاريخ 1919/06/15 "اتحاد العمال العام" وقيادته على صلة مباشرة مع الأجهزة الفرنسية، ولم يعش طويلاً، مما دفع بالاستعمار الفرنسي لاستبداله بحزب سياسي عمالي وأطلق عليه اسم "حزب العمال العام في لبنان الكبير" وذلك ابتداءً من أول أيار 1921 وقد ترأس هذا الحزب عام 1920 أنيس بك الهاني وفي العام 1921 شارل بك سرسق.
وفي مطلع العام 1923 أقدمت السلطات الأمنية المصرية على طرد المناضل اللبناني فؤاد الشمالي لنشاطه النقابي وانتمائه إلى الحزب الشيوعي المصري وفور وصوله إلى لبنان باشر العمل في شركة التبغ في بكفيا والعمل على تأسيس النقابة "جمعية" وفقاً للقانون العثماني للعمال. هذا وقد ساهم الرفيق المناضل فؤاد الشمالي في تعميم النشاط النقابي وتطويره في مختلف القطاعات العمالية، كما ساهم في تأسيس الحزب الشيوعي اللبناني فيما بعد، وقد تعرّض أكثر من مرة إلى الاعتقال من قبل سلطات الانتداب، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة سنتين ونفيه إلى أحد السجون في سوريا.

الاحتفال في أول أيار عام 1938
وإمعاناً في متابعة سياسة الإرهاب والتضييق على الحريات النقابية والديمقراطية، رفضت سلطة الانتداب طلب بعض النقابات للترخيص لها للاحتفال في ذكرى أول أيار في صالة سينما "ركس" في ساحة الشهداء. ولم تكتفِ بذلك ، بل أقدمت في صباح يوم العيد بالذات على اعتقال وتوقيف عدد من النقابيين والشيوعيين في مركز شرطة بيروت المركزي، عندها أقدم المعتقلون إلى عقد اجتماع لهم في نفس الدائرة احتفالاً في هذه الذكرى المجيدة، وأرسلوا للمسؤولين الرسالة التالية:
"إلى معالي وزير الداخلية في الجمهورية اللبنانية بواسطة حضرة رئيس الشرطة في الجمهورية اللبنانية نتشرف بأن ترفع إلى معاليكم الاحتجاج التالي:
نحن الموقّعين أدناه؛ فرج الله الحلو، نقولا الشاوي، خالد بكداش، مصطفى العريس، سعد الدين مومنة وارتين مادويان المجتمعين في إحدى دوائر الشرطة في بيروت، حيث حُجز علينا بعد توقيفنا بصورة كيدية وتعسفية منذ بعد ظهر أمس في 30 نيسان 1938 دون إعطائنا أي إيضاح عن سبب توقيفنا، والذي يُعتبر مخالفاً للقوانين ولأبسط القواعد الدستورية، وتدبيراً منافياً للديمقراطية، والذي جرى برعاية العناصر الفاشيستية الفرنسية، لذلك نحتج على هذا العمل غير المشروع ونطالب بإخلاء سبيلنا فوراً".
وفي مطلع العام 1944 أعلن عن تأسيس الاتحاد العمالي العام لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان الذي يضم 15 نقابة عمالية و 12 لجنة عمالية، وتم فيه انتخاب القائد النقابي الرفيق مصطفى العريس الذي تعرض أكثر من مرة للاعتقال والتعذيب دون أن يثنيه ذلك عن متابعة النضال من أجل تطوير النضال النقابي والمطالبة بإيجاد تشريع قانوني للعمل الذي أقر بتاريخ 1946/06/23، والذي يعتبر أهم انتصار حققته الطبقة العاملة اللبنانية وحركتها النقابية.

إضراب عمال الريجي...
بعد الإضراب الذي قام به عمال شركة الكهرباء والترامواي الذي انتهى بتولّي الحكومة وعرض القضية على محكمة العمل التي أصدرت بدورها حكمها المبرم لصالح العمال. وبما أن شركة الكهرباء والترامواي "شركة أجنبية ذات امتياز" فهو حكماً يسري على جميع الشركات ذات الامتياز.
لذلك اعتبر عمال وعاملات شركة إدارة حصر التبغ والتنباك ذات الامتياز، من حقهم الاستفادة بتنفيذ مضمون الحكم عليهم أيضاً. غير إن إدارة الشركة رفضت الاستجابة لهذا الطلب بعد مماطلات استمرت طويلاً، بعدما سُدّت في وجوههم السُبل كافة لم يبقَ أمامهم سوى الإضراب الذي نُفذ بنجاح في 11 حزيران 1946، كانت ردة فعل الإدارة بنقل رئيس اللجنة العمالية إلى طرابلس وطردت 24 عاملاً دون أي مبرر. وبناء لطلب معالي وزير الداخلية حضرت اللجنة العمالية لمقابلته فطلب معالي الوزير من العمال العودة إلى العمل إفساحاً في المجال لدراسة مطالبهم، فكان رد اللجنة: "نعود إلى العمل بعد إعادة العمال المصروفين واسترجاع مسؤول اللجنة من طرابلس". وكان رد معاليه بأنه لا مفاوضات قبل تعليق الإضراب. وبالرغم من تدخل قيادة الاتحاد العمالي العام أصر معاليه بأنه لا يقبل بأي مفاوضات قبل العودة إلى العمل!...
وبتاريخ 27 حزيران 1946 دخلت شاحنة لنقل الدخان من المستودع إلى السوق فانبطح العمال والعاملات على الطريق، عندها أعلن المسؤول عن الدرك بأن لديهم أوامر بإخراج الشاحنة مهما كلف الأمر. عندها أعطيت الأوامر لإخراج العمال بالقوة، فإنهال الدرك عليهم بالضرب بأعقاب البنادق وإطلاق النار الذي استمر فترة طويلة، فسقطت العاملة وردة بطرس إبراهيم شهيدة في خندق على جانب الطريق، وأصيب أكثر من ثلاثين عامل وعاملة بجروح خطيرة وتم اعتقال العديد من العمال.
وفي اليوم التالي نعى الاتحاد العمالي العام بألم شديد إلى الشعب اللبناني الشهداء الأبرار الذين سفكت دمائهم البريئة وهم يناضلون من أجل حقوقهم المعيشية التي أبت مطامع شركة الريجي الأجنبية الاعتراف بها وإقرارها.
تميّزت الحقبة الممتدة ما بين الحكم العثماني والانتداب الفرنسي بنشاطات واسعة في تنظيم وتأسيس الجمعيات أو النقابات العمالية التي حققت الكثير من المطالب وتأسيس النقابات العمالية والتي تكللت بتأسيس أول اتحاد عمالي عام، والذي أعطى الحركة النقابية زخماً جديداً من النضال هو إضراب عمال "الريجي" وغيرهم إلى أن تكلل هذا النضال بانتزاع قانون العمل اللبناني الذي اعتبر في حينه نصراً كبيراً للحركة النقابية. وتضمن بعض المواد المهمة، منها السلبي والإيجابي أيضاً. في الإيجابي تم تحديد الحقوق والواجبات والتي تطورت وتعدلت مع الزمن بفضل نضالات الحركة النقابية الموحدة، حيث تضمنت المادة 50 منه العبارة إلى أن يسن قانون الضمان الاجتماعي الذي تحقق في 1965/05/01 واعتبر ثاني أهم انتصاراً للطبقة العاملة والحركة النقابية. أما السلبي منها حيث فرضت على النقابات والاتحاد العمالي العام أن يتقدموا مجدداً بطلب الترخيص لهم خلال ثلاثة أشهر وإلّا تعتبر تراخيصهم لاغية حكماً، ومنه بدأت المؤامرات لشق الحركة النقابية باعتماد منح التراخيص لأزلامها من النقابيين وتمنعها عن النقابيين المناضلين التقدميين والشيوعيين، ما أدى في النهاية إلى الترخيص لعدد من أزلامها "جامعة نقابات العمال". وبعد فترة قصيرة تم انشقاق جديد في جامعة النقابات عبر ترخيص لاتحاد آخر تحت اسم "النقابات المتحدة" ومن ثم الترخيص لاتحاد رابع "النقابات المستقلة". ولجأت في نهاية المطاف إلى حل الاتحاد العمالي العام بعد أن اعتقلت معظم قياديه، وحرمان القادة النقابيين من الترخيص لنقاباتهم والتي تمكنوا من انتزاعها بقوة النضال بالترشح إلى النقابات المرخصة لأزلام السلطة وأسقطتهم في الانتخابات هكذا سجل انتصاراً للنقابيين المناضلين الشرفاء، واستمر هذا الوضع إلى أن استعادت بعض النقابات دورها النضالي وعرفت بـ "النقابات الست" ومن ثم تطورت لتشكل كتلة النقابات المنفردة بعد انضمام نقابة عمال صناعة الاحذية والجلود في لبنان الى الكتلة القديمة، لينتقل النضال للحصول على ترخيص لإنشاء الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان"، الذي استفاد من الحصول على الترخيص له في عهد وزير العمل اللواء جميل لحود بعد أن توجّه بالسؤال إلى رئيس دائرة النقابات في وزارة العمل عن أسباب عدم الترخيص وكان جوابه "أن الطلب مطابق للأصول من كل الجوانب، غير إن قرار عدم الترخيص هو بأمر من السياسة العليا"، فنهره بصوت عالي: إننا هنا السياسة العليا. وطلب منّا إعادة تقديم الطلب بسرعة وهكذا كان وصدر الترخيص للاتحاد الوطني مع ثلاثة اتحادات أخرى في العام 1966 وعندها قامت قيامة الاتحادات النقابية الرجعية ومعهم جمعية المصارف وأصحاب العمل بالتهديد والوعيد مهددين بالإضراب إذا لم يتراجعوا عن هذه التراخيص وبعد أن احتدم الصراع اضطرّت وزارة العمل إلى قرار يستر وجهها مرغمة على إصدار ترخيص جديد من الوزير سليمان الزين، في حين أقدمت قيادة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان على استدعاء كاتب بالعدل لحضور جلسة انتخاب قيادة الاتحاد الوطني بعد تمنّع مندوب الوزارة من الحضور لهذه الانتخابات. واقتضى الأمر بتحقيق انتصار على السلطة وعملائها في الحركة النقابية بقيادة الرفيق الراحل إلياس الهبر. في هذا الانتصار تمكّن الاتحاد الوطني من استعادة الاعتبار للاتحاد العمالي العام لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، واعتبار الاتحاد الوطني هو امتداد لهذا الاتحاد الذي حقق الانتصار في تحقيق العديد من المكاسب العمالية وخاصة قانون العمل اللبناني، كما ساهم أيضاً في معارك الاستقلال بمشاركة الرفاق مصطفى العريس وسعد الدين مومنة ولينتقل النضال إلى توحيد الحركة النقابية اللبناني، والتي استمرت لغاية الأول من أيار 1970 حيث أرغمت قيادته بعد تردد وممانعة ومماطلة مدة أربع سنوات لتبدأ معركة جديدة لتحقيق العديد من المطالب الملحة والمتراكمة منذ سنوات وسنوات وأبرزها تنفيذ قانون ضمان المرض والأمومة (الضمان الصحي) في موعده في مطلع العام 1970.
مع بداية العام 1970 ولغاية نهايته تم تنفيذ الاضرابات التالية:
-5 كانون الأول 1969 إضراب موظفي النقل المشترك.
-8 كانون الثاني 1970 مظاهرات طلاب الجامعة اللبنانية.
-10 شباط 1970 إضراب عمال وموظفي مدكو.
- 20 شباط 1970 إضراب عمال الريجي.
- أواخر شباط 1970 إضراب مدينة طرابلس.
- 4 نیسان 1970 إضراب مهندسي المصالح المستقلة.
-29 نيسان 1970 إضراب اطفائية بلدية بيروت.
-7 أيار 1970 إضراب حراس بلدية بيروت.
-7 كانون الأول 1970 إضراب طلاب دور المعلمين والمعلمات.
وغيرها الكثير من الإضرابات التي استمرت حتى نهاية كانون الأول 1970.
بعد مرحلة خاضتها الحركة النقابية بقيادة الاتحاد العمالي العام حول ارتفاع أسعار الأدوية، أقدم وزير الصحة الدكتور أميل بيطار على إصدار قراراً بتاريخ 21 تموز 1971 يقضي بتخفيض أسعار الأدوية بنسب تتراوح بين 15 و 30 وصدر القرار في الجريدة الرسمية العدد رقم 62 يعمل به بعد شهر من تاريخ نشره. وفي 11 آب 1971 عرض الوزير قراره المذكور على مجلس الوزراء فوافق عليه بالإجماع في الجلسة التي عقدت في 12 آب 1971 غير أن ضغط شركات مستوردي الأدوية الاحتكارية على حكومة صائب سلام الذي سرعان ما خضع لهم وطالب الوزير بسحب القرار غير أن الوزير رفض التراجع مفضلاً الاستقالة من الحكومة.
وفي منتصف شهر أيلول 1971 أصدر وزير المالية إلياس سابا مرسوماً رقمه 1943 يقضي برفع الرسم الجمركي على البضائع الكمالية المستوردة من الخارج بهدف تعزيز مالية الدولة وبهدف حماية وتشجيع الصناعة الوطنية، إلى أن التجار هددوا بتنفيذ الإضراب الذي استمر مدة 10 أيام وخضع صائب سلام لضغوطاتهم ودعى مجلس الوزراء للاجتماع واتخاذ القرار بإلغاء المرسوم.
وبقي الاتحاد العمالي العام والاتحاد الوطني لنقابات العمال يتابعان مسيرتهما النضالية، واتسعت رقعة النضالات والإضرابات العمالية والشعبية احتجاجاً على الأوضاع المعيشية المتردية. وبدأ من عمال معمل غندور بتاريخ 1972/11/01 الذين أعلنوا الاضراب لتحقيق المطالب التي أقرتها الدولة وبسبب تصلب وتعنت أصحاب العمل الذين استعانوا بالدرك الذي حضر لفك الإضراب بالقوة والاعتداء على العمال بأعقاب البنادق والقنابل المسيلة للدموع، وبعد إطلاق النار سقط شهيدان من العمال هما فاطمة خواجة ويوسف العطار. وفي 1972/01/22 بدأ إضراب أساتذة التعليم الثانوي الرسمي الذين تعرضوا للقمع والإرهاب. كما أقر قطع رواتب المعلمين وإقدامهم على تعيين 1300 طالب من حملة البكالوريا للتعليم في المدارس الرسمية في محاولة لكسر الإضراب دون جدوى.
وبتاريخ 1972/01/07 عقد اجتماع في النبطية للهيئة التأسيسية لنقابة مزارعي التبغ في الجنوب بحضور ممثلين عن القوى الوطنية والتقدمية والمجالس البلدية تقرر فيه لائحة المطالب من إدارة "الريجي: وهي:
أولاً: زيادة المساحات المرخصة للفرد على أن لا تقل عن خمس دونمات ولغاية عشرين دنم لكل من يزرعها.
ثانياً: استلام كامل المحاصيل وتخفيف قيود الإدارة.
ثالثاً: مشاركة المزارعين في لجان الشراء والتخمين وتحديد الأسعار.
رابعاً : ربط الأسعار بنسبة ارتفاع غلاء المعيشة.
خامساً: إنشاء مصنع في المنطقة. سادساً: استرداد امتياز الريجي وإلغاء قوانينها الجائرة.
وبعد تقديم المطالب إلى ادارة الريجي والمراجع الحكومية، وخلال المراجعات والمفاوضات والمراوغة والمماطلة التي استمرت لغاية 24 كانون الثاني حيث تقرر الإضراب العام في النبطية احتجاجاً على قمع المواطنين في كفررمان والاعتداء عليهم، وانطلاق المظاهرة التي شارك فيها آلاف المزارعين ليتفاجأوا بقوة كبيرة من الجيش وقوى الأمن الداخلي الذين حاولوا إخراج المعتصمين بالقوة، وعند وصول المظاهرة واجهتهم القوة الأمنية باستخدام العنف وإطلاق النار مما أدى إلى سقوط شهيدين من المزارعين وهم نعيم درويش وحسن محمد حايك وسقوط عشرات الجرحى.
مرحلة جديدة من النهوض الوطني نتيجة النشاطات التي قام بها الاتحاد العام الأمر الذي أزعج السلطات ليتضاعف ضغوطاتها على بعض قياديي الاتحاد والتي اتسمت بالتراجع المتكرر عن الكثير من القرارات التي أدت إلى اهتزاز الثقة به، فتدخل الاتحاد الوطني لاستعادة هذه الثقة بحيث قرر التظاهر في 1974/03/27 وانطلقت المظاهرة من قرب تمثال بشارة الخوري رئيس الجمهورية باتجاه المجلس النيابي، مروراً بساحة الشهداء، وقد قدرت السلطات الأمنية بأن عدد المتظاهرين تجاوز الخمسين ألف نسمة.
بعد اندلاع الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975 تعطّلت النضالات النقابية لفترة من الزمن وبعد الاجتياح الإسرائيلي تفاقمت الأزمات الاجتماعية وانعكست نسبياً على بعض قياديي الاتحاد العام الأمر الذي دفع قيادة الاتحاد الوطني لتوجيه الدعوات إلى معظم الحركات والجمعيات والنقابات والمنظمات الشعبية والشبابية والنسائية في مختلف المدن والقرى اللبنانية لعقد اجتماع في مقر الاتحاد الوطني والذي تم بنجاح كبير وتشكيل الهيئة الوطنية لمكافحة الغلاء والاحتكار. وتقرر عقد مؤتمر وطني في 17 شباط 1985 الذي شهد نجاح كبير وتبعه عقد مؤتمرات شعبية في مختلف المناطق اللبنانية، ونظمت العديد من المظاهرات الناجحة.
بمناسبة الاحتفال بالأول من أيار 1993 بدعوة من وزير العمل عبد الله الأمين، بادر الوزير إلى تقليد النقابي إلياس أبو رزق وسام العمل واعتبر هذا التدخل افتتاح معركة رئاسة الاتحاد العمالي العام في الوقت الذي كان فيه أنطوان بشارة رئيساً للاتحاد والذي يعتبر نفسه مرشحاً للرئاسة بالتحالف مع رئيس الاتحاد الوطني وحلفائه الرفيق إلياس الهبر، غير أن الأمين بعد أن تأكد من فشله في مواجهة أنطوان بشارة مع حلفائه، كلف بعض النقابيين للبحث مع أنطوان بشارة بأن الوزير عبد الله الأمين يفضل أن يتعاون معه إذا فك الارتباط مع قيادة الاتحاد الوطني وحلفائه الذي سارع ليلة الانتخاب بأن يعلن عدم تعاونه مع الاتحاد الوطني وحلفائه، وفي صباح يوم الانتخاب تحول التحالف في الاتحاد الوطني وحلفائه إلى منح أصواتهم إلى الياس أبو رزق وقد فاز برئاسة الاتحاد، بمقابل سقوط أنطوان بشارة، عندها قرر الوزير الأمين خوض معركة ضرب الحركة النقابية بالتدخل المباشر وبمساعدة القوى الأمنية في الانتخابات الثانية لإسقاط أبو رزق عبر منع دخول حلفائه إلى مقر الاتحاد العام وإعلان فوز غنيم الزغبي بعد دخول عدد من الاتحادات الوهمية الذي أنتجها عبد الله الأمين ليضمن الحصول على عدد من الأصوات. وهكذا استمرت المؤامرة لضرب الحركة النقابية وقد استمرت المنازعة لغاية تسليم رئاسة الاتحاد العمالي العام إلى غسان غصن حيث تعطّل دور الاتحاد العمالي العام كلياً بعد أن ضم 26 اتحاداً نقابياً وهمياً تم تفقيسهم في مزرعة عبد الله الأمين وشركاته.

من غير المقبول الرضوخ لهذه الكارثة التي وقعت فيها الحركة النقابية، بعد هذا النضال الطويل والذي تحقق فيه جملة من المكاسب المطلبية. ومن المؤسف جداً أن يستمر الاتحاد العمالي غريباً فيما يجري حوله من معاناة لشعبنا وطبقته العمالية وعجزهما عن القيام بأي دور إنقاذي من هذه المأساة مع العلم بأن بعض الاتحادات القديمة الموجودة في الاتحاد مثل اتحادات المصالح المستقلة واتحاد موظفي المصارف وبقية الاتحادات التي وجدت قبل دخول اتحادات "التفقيس"، الذي يمكنهم أن يلعبوا دوراً إنقاذياً إذا أرادوا بالتعاون مع الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان وحلفائه إكراماً لمناسبة الأول من أيار عيد العمال العالمي حافزاً.
خاتمة
لتكُن الذكرى المئوية للحزب الشيوعي اللبناني حاضِنةً لجميع الشيوعيين اللذين ما زالوا يؤمنون بقضايا شعبنا من مختلف فئاتهم الاجتماعية، سواء كانوا نساءً أو رجالاً وعمالاً وفلاحين ومزارعين وأطباءً ومهندسين ومحامين وأدباءً وشعراءً وأساتذة ومعلمين وفنانين ورسامين..، الصامدين في صفوف الحزب وفي مختلف مواقعهم التنظيمية والنقابية في مختلف الحقول والمهن، وأخص بالذكر الرفاق الذين لديهم بعض الملاحظات، مهما تكن كبيرة أو صغيرة وأناشدهم الإنسجام مع تاريخهم النضالي القديم الذين ساهموا في تعزيز مواقع الحزب وتطويره على أكثر من صعيد وليتجاوزوا الفترة الماضية وليساهموا مع رفاقهم بمختلف مستوياتهم التنظيمية والقطاعية من أجل أن نرتقي بالتحضير لهذه المناسبة العظيمة في تاريخ حزبنا وصياغة برنامج نضالي يشارك فيه جميع الذين ما زالوا يعتبرون أنفسهم شيوعيين، سواء كانوا في التنظيم أو خارجه، جميعهم مسؤولين أمام شعبنا الذي ينتظر من حزبنا الدور الإنقاذي من مؤامرات التقسيم والفراغ السائد مع الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي. وفي سبيل العمل لتوحيد الجهود لتوحيد جميع القوى الوطنية التقدمية المؤمنة في قيام الدولة العلمانية والديمقراطية .
ومن أجل إقامة وطن حر وشعب سعيد.

  • العدد رقم: 423
`


فوزي ابو مجاهد