حول سقوط أفدييفكا بيد القوات الروسية

يعتبر، من وجهة نظرنا، سقوط أفدييفكا ضربة قاصمة للقوات الأوكرانية و للنخبة السياسية الحاكمة في كييف، و للداعمين الغربيين لأوكرانيا، للأسباب التالية:

- تعتبر أفدييفكا نقطة وصل طرقية هامة، تربط دونيتسك بالغرب الأوكراني و تربط الشمال بالجنوب. كما أنه يوجد إلى الشرق منها شبكة سكك حديدية معقدة تمتد إلى معظم مناطق الدونباس.
- مدينة أفدييفكا قريبة جداً من مدينة دونيتسك، المسافة حوالي 15 كم، وكانت، مع محيطها، مصدراً للقذائف المدفعية دائماً، الأمر الذي أرّق سكان الأحياء الغربية لدونيتسك في السنوات السابقة.
- مدينة صناعية، ففي جزءها الشمالي الغربي يوجد مصنع كبير لفحم الكوك، كما أنه يوجد منطقة صناعة كبيرة في جزءها الجنوبي الشرقي، و تسمى المنطقة الصناعية الجنوبية.
- الدفاعات الأوكرانية في أفدييفكا و محيطها كانت الأقوى مقارنة مع باقي المناطق، فلقد بدأت أوكرانيا ببنائها و تحصينها منذ عام 2014 بسبب قربها من مدينة دونيتسك، ومع ذلك تمكن روسيا من تحطيمها و السيطرة على المدينة.
- إلى جنوب المدينة كانت تتمركز منظومة دفاع جوي، و لقد تمكنت روسيا من تدميرها أثناء اقتحام المدينة.
- جاء سقوط المدينة في توقيت حرج بالنسبة للقيادة السياسية الأوكرانية؛ إذا بدأت تتعالى الأصوات المناهضة للدعم الغربي غير المشروط، إضافةً إلى اقتراب الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، فالرئيس الأوكراني يبحث عن نصر ما لإعادة شحن الهمم و المعنويات المتردية في الشارع الأوكراني.
لم تستغرق السيطرة على المدينة وقتاً طويلاً كما كان الحال في سوليدار و باخموت، و هذا يعكس حالة الضعف التي يعيشها الجيش الأوكراني.
بناءً على ما سبق، فإننا نعتقد أن السؤال عن الخطوة الروسية التي ستلي السيطرة على أفدييفكا يؤرق القادة الغربيين و الأوكرانيين على حدٍ سواء، لذلك يتحاشون طرحه و يحاولون التقليل من أهمية سقوط هذه المدينة. و الحقيقة أنه لا يوجد استراتيجية واضحة عند الدول الغربية للتعامل مع روسيا هذا من جهة، كما أن الدول التي تحاول واشنطن دفعها للمواجهة مع روسيا، وتحديداً دول أوروبا الشرقية و الوسطى، مترددة أصلاً و تشعر بأنه لا مصلحة لها بهذه المواجهة من جهة أخرى.
لذلك، وفق تقديرنا، ستتحرك القوات الروسية وفق الاستراتيجية التي وضعها الرئيس بوتين، و التي لخصها في أحد مقابلاته في نهاية عام 2022 بعبارة و اضحة و بسيطة، إذ قال: (الدجاجة تنقر حبة حبة). يبدو يوضوح أن هذه الاستراتيجية ناجعة وفعالة إلى أبعد الحدود، و تقوم على الأسس الثلاثة التالية:
1- ستتابع روسيا زحفها بخطىً حثيثة و ثابتة، و ستحاول خلق بؤر استنزاف للقوات الأوكرانية، كما كان الحال في سوليدار و باخموت و أفدييفكا.
2- استخدام مفهوم الدفاع المرن، حيث تقوم القوات الروسية بتحريك عدة محاور على الجبهة دفعة واحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى تشتيت القوات الأوكرانية و حرمانها من القدرة على التمسك بمنطقة معينة. وعندما تشعر القوات الروسية بضعفٍ في قطاع ما من الجبهة يمكنها أن تعزز هجومها، و تقوم بالسيطرة عليه و التقدم إلى الأمام.
3- القصف المستمر للخطوط الخلفية و مستودعات الذخيرة و المساعدات العسكرية القادمة من الدول الغربية بالطيران و المسيرات و الصواريخ.
لذلك، فإننا نعتقد أن روسيا ستستمر بتطبيق هذه الاستراتيجية حتى ينهار الجيش الأوكراني كلياً.
بعد انهيار الجيش الأوكراني، قد تكون السيناريوهات اللاحقة لتطور الصراع متعددة، لذلك من الصعب التنبؤ بدقة بمسارات الحرب و تحولات الصراع. المؤكد و الثابت عندنا أن روسيا لن تعطي الدول الغربية أي مجال لـ (الراحة) و كسب الوقت بهدف إعادة تسليح أوكرانيا و تجميع صفوف جيشها لجولة جديدة من الحرب؛ لأنه يوجد قناعة راسخة عند القيادة الروسية أنه لا يجب الثقة بالغرب و طروحاته. فلقد خدعت الدول الغربية روسيا في العديد من المناسبات، و روسيا لن تكرر أخطاءها السابقة.
*مدير مركز جي إس إم للأبحاث و الدراسات (موسكو).

  • العدد رقم: 420
`


آصف ملحم