تُعنى المبادرة ببناء تعاونيات زراعية والدفع بالبلديات ومؤسسات الدولة المختلفة من أجل تحمّل مسؤولياتها أمام القطاع الزراعي الذي تمّ تدميره بشكلٍ ممنهج. ففي ظلّ الواقع السياسي الاقتصادي الحالي، نتيجة للسياسات النيوليبرالية التي اتّبعتها الدولة اللبنانية في تهشيم القطاع الزراعي وفي جعل السوق اللبنانية تابعة للأسواق العالمية بدلاً منها مستقلة منتجة، هناك دور يمكن للبلديات والقرى والمدن والانتفاضة أن تلعبه. نحن نرى اليوم إمكانية لتحويل الأزمة التي نمرّ بها إلى فرصة لاتّباع الأساليب التي تسمح لنا بحياة أقلّ استهلاكية وأقلّ تبعية للنظام الرأسمالي من خلال نمط حياة منتج. وبينما نعي أهمية هذه المبادرة على المستويين البيئي والصحي، من حيث محاولة التعلّم من الأساليب المحلية التقليدية للزراعة، نعلم أيضاً بأن العمل الجماعي هو الطريقة الوحيدة لتخطّي الأزمات.
تتوجّه المبادرة إلى البلديات والمزارعين في القرى وسكّان المدن، والمنتفضين في مختلف المناطق. وتدعو إلى تشكيل تعاونيات زراعية إنتاجية وأخرى استهلاكية من أجل كسر احتكار التجّار واستغلالهم، ومن أجل البدء بتشكيل عمل نقابي في القطاع الزراعي. من جهة أخرى، تعمل المبادرة على تظهير الحاجة لنقد الملكية الفردية وتغيير الثقافة حول ملكية الأراضي واستخدام الأراضي غير المزروعة وبخاصة أراضي المشاعات والوقف، وتطبيق مبدأ حق الانتفاع الذي يضع قيمة الانتاج الزراعي للجماعة كأولوية ، بدلاً من ملكية الأراضي.
تنشأ هذه المبادرة في ظلّ انسحاب الدولة اللبنانية عن أداء دورها في القطاع الزراعي، ويعمل بناء التعاونيات والنقابات الزراعية كأحد الطرق الأساسية لحماية المزارعين ودعم الانتاج الزراعي. فعلى مستوى تنظيم التعاونيات الزراعية في لبنان، ترزح أغلب التعاونيات اليوم تحت سيطرة أحزاب السلطة، وبالأخص حزب الله وحركة أمل، في إطار بعيد كلّ البعد عن العمل التعاوني أو النقابي، بل كمؤسسات إنتاجية صغيرة. هكذا، تعمل هذه التعاونيات بشكل تابع تماماً للمؤسسات غير الحكومية والمانحين الأجانب وما يتبعه ذلك من شروط وأجندات سياسية اقتصادية، تجعل المزارعين مرتبطين تماماً بسياسات تلك المؤسسات ومشاريعها وبشكل يجعلهم بحاجة مستمرة للتمويل أو دعم خارجي. كما تقوّي هذه التعاونيات عبر تبعيتها للمؤسسات الأجنبية، الارتباط بالشركات المتعدّدة الجنسية وتفرض برامج زراعية لا تمرّ عبر الدولة اللبنانية ولا تعمل لمصلحة بناء قطاع زراعي. كما تقصي هذه التعاونيات الأفراد والعائلات غير المنتمية للأحزاب المذكورة.
وفيما نجد بأن الشكل الحالي لهذه التعاونيات غير مجدٍ بل هو مدمّر للقطاع وللمزارعين، نطرح عبر هذه المبادرة تعاونيات تعمل من أجل بناء تنظيمات مستقلّة تعتمد على التضامن بين المزارعين، كما تنسّق التعاونيات الانتاجية والاستهلاكية مع بعضها البعض بهدف خلق أسلوب تبادل مستقل عن استغلال التجار واحتكاراتهم. لذا، لا تتوجّه المبادرة إلى االعمل الفردي في الأساس لأننا نعمل على بناء العمل الزراعي الجماعي وذلك عبر بناء التعاونيات والنقابات ونسعى إلى بناء القطاع الزراعي بمزارعيه ومؤسساته والتشكيلات التعاونية النقابية الممكنة.
نعمل أيضاً من خلال هذه المبادرة على إطلاق ما يسمّى "الزراعة المدينية" urban agriculture، والتي نستغلّ من خلالها الأسطح والشرفات لإنتاج محصول من الخضار والأعشاب للاستهلاك المنزلي. نعمل على مستوى هذه الطريقة على تشكيل لجان أحياء في المدن تكون مسؤولة عن زراعة ما يتوفّر من المساحات في الحيّ، باستخدام الخضار المتواجدة في المطبخ (بطاطا، خس، إلخ)، أو الخضار التي تسهل زراعتها ولا تحتاج لمساحاتٍ كبيرة. ما نسعى إليه من خلال هذه المبادرة على المدى البعيد قد تمّ تطويره وتطبيقه في مناطق عدّة وبأشكال مختلفة، كانت التجربة الكوبية أهمّها. بدأت كوبا خلال الحرب الباردة، بالعمل على تطوير أبحاث وطرق زراعية لتحسين الإنتاج. في 1987، عملت وزارة الدفاع - على عكس المتوقّع من أن تكون وزارة الزراعة، وذلك بسبب الوعي القائل بأن الزراعة هي مسألة حياة أو موت للشعوب، كما وأنّها مسألة مفصلية في ما يخصّ التبعية للدول الكبرى- بتطوير أبحاث زراعية كخطوة استباقية في حال الانقطاع الكامل للواردات البترولية.
طوّرت كوبا منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم أساليب زراعية تعتمد بالكامل على عدم استخدام المواد الكيماوية أو المكننة العالية. هكذا، "اخترعت" مؤسسات الدولة الكوبية ما يعرف باسم "أورغانوبونيكو"، على يد مهندسة كوبية عرفت باسم "المهندسة آنيتا"، وهي طريقة زراعة دون أي كيماويات (لأن الكيماويات مستخرجة من المواد البترولية). وقد استطاعت الدولة، عبر إنشاء مراكز أبحاث متخصصة، وإشراك الشعب بالتنفيذ والتقييم وتطوير الأبحاث، بجعل كوبا مستقلة كلياً على المستوى الزراعي، وبإنتاج زراعي صحي، مراعٍ تماماً للبيئة، وبمساحات شاسعة في المدينة أصبحت تتبع الزراعة المدينية بشكل مكثّف. كما تعمل فنزويلا اليوم على إدخال الزراعات المدينية والطرق التي استحدثتها كوبا ضمن سياستها لخلق قطاع زراعي منتج ومستقل.
يسعى الحزب الشيوعي اللبناني من خلال مبادرته، إلى دفع الجميع للانخراط في فهم أهمية الإنتاج الزراعي كما العمل الزراعي، السيادة الغذائية التي نطمح إليها والدولة التي نريد أن تعمل لدعم المزارعين والقطاع الزراعي وتطوّره لمصلحة الأرض والمزارعين والناس، وأخيراً الانخراط في إنشاء التعاونيات الزراعية التي يمكن للمزارعين من خلالها تنظيم أنفسهم.