في خضمّ هذه الأزمة، يدفع المواطن الفقير أو المتوسط الدخل ثمن أزمة أنتجها أصحاب رؤوس الأموال والمحتكرين والأليغارشية الحاكمة وراكموا الثروات قبل حدوثها. وفي الحالة اللبنانية نرى أن الشباب بشكل عام وفئة الطلاب منهم على وجه التحديد، هم الفئة الأكثر هشاشة في مواجهة هذه الأزمات نظراً لإفتقارهم للمدّخرات المالية وغياب دور الدولة في تأمين أدنى مقوٌمات الرعاية الإجتماعية لهذه الفئة. فالكثير من الطلاب في الجامعات الخاصة تتراكم عليهم الأقساط الجامعية ومنهم من توقّف عن الدراسة لعدم تمكنّه من السداد. في الجهة المقابلة في الجامعة اللبنانية وبحسب إحصاءات أولية غير رسمية تجاوز عدد الطلاب غير القادرين على تأمين رسوم التسجيل الـ1200 طالب، فكيف تعاطت جامعتنا الوطنية مع الأزمة؟
في البداية انطلقت عدّة مبادرات طلابية في عدد من الكليات لجمع بعض التبرعات لزملائهم تخفيفاً من وطأة الأزمة عليهم. وكانت هذه المبادرات تقريباً في كلّ عام دراسي وكثُرت مع احتدام الأزمة الاقتصادية، إلّا أنّ أعداد الطلاب غير القادرين على دفع رسوم التسجيل هذا العام تزايد، وهو ما دفع الطلاب للضغط باتجاه تفعيل قوانين وأنظمة تقدّم حلاً جذرياً يضمن للطلاب حقهم الطبيعي في التعليم المجاني داخل جامعتهم الوطنية التي تُموّل، في الأساس، من جيوبهم عبر الضرائب.
وعند تدخّل رئيس الجامعة الدكتور فؤاد أيوب، ظنّنا أنه سيفعّل قانون المنح الإجتماعية الموجود أصلاً في الكليات النظرية، وبأنّه سيسعى بطبيعة الحال للضغط لاستحداث قانون جديد مستعجل وطارئ لإلغاء رسوم التسجيل حفاظاً على مصلحة الطلاب في متابعة تعليمهم. إذ أنه هو نفسه إبّان ثورة 17 أكتوبر المجيدة كان يتحفنا كلّ يوم بقراراته بفتح الجامعة حرصاً منه، حسب قوله، على حق الطلاب في التعلم. وهو نفسه من لم يترك باباً إلّا وطرقه، واستشارةً قانونيةً إلا واستخدمها، لأغراض في نفسه، يوم قرّر مقاضاة كلّ صحافي ينتقده ويوم رفع دعوى على الدكتور عصام خليفة، ولكنّه لم يكلّف نفسه للقيام بأي إستشارة قانونية يضمن من خلالها مستقبل آلاف الطلاب بمتابعة تعليمهم عبر إعفائهم من الرسوم.
أمّا الحقيقة ليست كما التمنيات؛ قرّرت رئاسة الجامعة التهرّب من كلّ مسؤولياتها بالقيام بإجراءات لحماية الطلاب قانونياً وتحصينهم بقوانين الرعايا الاجتماعية، فأزالت عن نفسها ثوب المؤسسة الرسمية لترتدي ثوب المؤسسة الخيرية وتنشئ صندوقاً رسمياً للتسوّل! وكان هدف الصندوق جمع التبرّعات من الطلاب والأساتذة وبعض المتبرعين كالبلديات وغيرها لتسجيل الطلاب غير القادرين على الدفع. وحينما تقدّم حوالي 860 طالباً... بطلبات الإعفاء، والتي يُقدّر مجموعها بـ400 مليون ليرة، لم يستطع هذا الصندوق من تأمين أكثر من 180 مليون ليرة، وهكذا فشلت الجامعة حتى عن تأمين "التبرّعات" اللازمة التي رأت فيها سبيلاً للحل. وجاء القرار الثاني لرئيس الجامعة، والذي تمثّل بتصنيف الطلاب على أساس الأكثر فقراً أو الأكثر حاجةً ضمن خانات معينة ((A+,A,B+,B بغية تقديم المعونة للأكثر حاجة، لكن دون أية معايير للتصنيفات ودون أدنى مقوّمات الشفافية، تحولّ الصندوق من مسمّى "تبرّعات" إلى "تنفيعات" تستغلّها أحزاب الأمر الواقع الطائفية المسيطرة على فروع الجامعة اللبنانية، ضامنة بذلك تأبيدها للعلاقة الزبائنية نفسها التي تسود في الجامعة، على حساب من هم أكثر حاجة فعلاً.
ولا تُختصر مشاكل الجامعة اللبنانية في هذا الصندوق، لكنّه استكمالٌ للنهج المتّبع في النظام اللبناني بشكلٍ عام، ومجلس إدارة الجامعة، وهو بحاجة للتغيير الذي انتفض الشعب من أجله. الجامعة الوطنية قد عانت الكثير خلال السنين الماضية من الإهمال والخفض متكرّر لميزانيتها، ومن الفساد في تلزيمات الشركات المتعهّدة الصيانة وغيرها من الأمور، وبالأخص في المجمّعات الجامعية الكبرى، الحدت مثالاً. فالجامعة اليوم ليست بحاجة لصناديق تسوّل بل بحاجة لخطة تحوّلها إلى جامعة منتجة عبر إعطاء الاستقلالية الإدارية للجامعة ورفع مستواها الأكاديمي ووضع خطة تنهض بها مجدّداً لرفع مستواها الأكاديمي وإنشاء مجمّعات جامعية بتجهيزات حديثة، مطاعم جامعية، سكن جامعي وخطة نقل للطلاب.
نشأت الجامعة اللبنانية بهدف إتاحة فرصة التعليم للجميع وبخاصة للفقراء حيث لا خيار لهم سواها وهي اليوم تفقد هذه القيمة الإنسانية بحرمان أكثر من ألف طالب من التعليم لأسباب مادية بحت. ولكن كما نشأت هذه الجامعة بدماء ونضال الطلاب سيتمّ حمايتها والمحافظة عليها بنضال جيلٍ آخر من الطلاب. بعبارات أخرى، إنّ سلطة أحمد الأسعد يوم قال للجنوبيين حين طالبوه بمدرسة أنّ"كامل عم يتعلم" لم تتغير فهي مستمرّة بوجوه أخرى عبر محاولاتها لتدمير هذه الجامعة، ولكن أبناء فرج الله حنين هنا أيضاً، وهم مستمرّون على نهجه، على وعدهم بالنضال مدخلاً للوصول إلى جامعة تشبه طموحاتنا.