شعوبنا العربية طيبة وعفوية وصاحبة قوة وإرادة صلبة مثلها مثل باقي شعوب العالم. لكنها، تتمتع بميزة صبرها وإيمانها والتزامها القيم والاخلاق الإنسانية، وبميزة الصمود والمقاومة والكرامة الوطنية والتمسك بالهوية العربية. ومن يمتلك تلك المميزات لا ينكسر ولا يستسلم، مهما حاول البعض نشر ثقافة الاستسلام، أو توطين فكر الجهل والظلامية والتفرقة الطائفية والمذهبية أو التكفير بحد السيف.
من الثورة العربية الكبرى 1916 ضد العثماني إلى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد العدوان الوحشي الصهيوني والإميركي. مراحل ومتغيرات واستقلال وطني ثم مشاريع استعمارية متجددة واحتلال صهيوني واميركي وتطبيع واستبداد وظلم وتخلف وتجزئة.. ولم تخضع شعوبنا أو ترفع الرايات البيضاء ولن ترفعها. ولو أنها تقف عند حافة الهاوية بعد اشتداد الهجمة الاميركية والاطلسية– الصهيونية على غزة والضفة ولبنان، وبشراكة إضافية مع تركيا على سوريا، لتعديل ما عجزت هذه القوى الغربية مجتمعة عن تحقيقة في العدوان الوحشي وحرب الإبادة الجماعية على غزة ولبنان بفعل الصمود والمقاومة، خصوصاً، بعد إسقاط النظام السوري الاستبدادي الأمني السابق، وإحلال "جبهة النصرة" وأخواتها في الإرهاب على رأس حكم سلفي تكفيري برعاية أميركية وصهيونية وتركية مباشرة والذي ترافق مع تدمير صهيوني كلي لمقومات الدولة السورية العسكرية والعلمية والإنشائية. والتوغل في العمق السوري وإحتلال المرتفعات في الجولان وجبل الشيخ وأجزاء واسعة من مدن وقرى الجنوب السوري، وملاقاة هذا الاحتلال التوسعي الصهيوني بتوغل تركي واسع في الشمال ورعايته للميليشيات الإرهابية، وبإدارة أميركية وإشرافها. وفيما سوريا تتعرض للإحتلال والتدمير والإعتداء الصهيوني اليومي، تتركز مهام "الجولاني" على تمزيق وتفتيت الشعب السوري وتجويعه وكسر إرادته والقضاء على حلم ثورته الشعبية التي كلفت الأثمان الغالية في مواجهة نظام الاستبداد السابق من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعمل والأمان، وارتكاب أبشع المجازر الإرهابية بحق أبناء الساحل السوري الأمنين العزل، وهي مهام تصب في خدمة مشروع تقسيم سوريا، وتشكل عاملاً محورياً لتكريس الشرق الأوسط الاستعماري الجديد. ولم تشذ بطبيعة الحال الدول العربية الرجعية والتبعية التي دفنت كرامتها منذ أمد بعيد، وباتت مهمتها المعتمدة تبرير العدوان الصهيوني الأميركي على غزة والضفة ولبنان واليمن.. وتسويق صفقة القرن المحدثة بالتهجير، وإنجاز سلام ترامب الإبراهيمي الخياني.
مرحلة قاسية وحساسة جداً، فقوى الداخل المسيطرة مفككة وضعيفة وملتحقة وتابعة، وقوى الخارج تقطف ثمار ما زرعته من نظم وهياكل سياسية متسلطة واستبدادية غذت عوامل التخلف والتفرقة الطائفية والمذهبية والعرقية، وغالت في القمع والمنع والاستبداد والفساد وخلق الفوضى. ولعبت دوراً أساسياً في تحويل مجرى الصراع الوطني والطبقي عن مساره لتأبيد سيطرتها وامتيازاتها الطبقية والفئوية والطائفية.
المشهد السوداوي الراهن، لا يعني نهاية الصراع الوطني والقومي. لكنه يعني بداية فصل من فصول هذا الصراع، ولو بموازين قوى دولية وإقليمية مختلة. الصراع يشتد، ويتخذ أشكالاً عدة، تستلزم بالضرورة مواجهتها من كافة قوى التحرر الوطني بأطر وأشكال وتنظيم تتصدى لخطورة الصراع الراهن. والتجارب تعلم، وعلى جميع هذه القوى أن تواجه بمشروع وطني تحرري شامل. فقوة وبسالة شعبنا تجسدت في نماذج الصمود والمقاومة، وضعفنا تمثل في فئوية المواجهة. وهذا يتطلب نقاشاً وتقييماً وصراحة وجرأة وعملاً وتنظيماً وتوحيداً للصفوف لتعزيز المواجهة الوطنية السياسية والشعبية الشاملة لصد مشروع التفتيت والتقسيم والهيمنة الإمبريالي الصهيوني. وهو المشروع الجذري الشامل. كون المشروع الاستعماري يستهدف بإبعاده القضاء على المقاومة بأفعالها وأشكالها، وتصفية القضية الفلسطينية كلياً، والهيمنة على المنطقة وشعوبها بكل أطيافها وفئاتها ونهب ثرواتها وتكريس خارطة تقسيمية للشرق الأوسط.. وهو مشروع إمبريالي أممي للتحكم والسيطرة على العالم. وبالتالي، فإن القضية الوطنية والاجتماعية هي مهمة ثورية بوجهين: الأول، وطني في "جبهة مقاومة وطنية عربية" ضد الاحتلال الصهيوني والهيمنة الأميركية، للتحرير. والثاني، اجتماعي للنضال ضد أنظمة رجعية خاضعة وبرجوازية تابعة تلعب دور الشرطي المحلي لكسر إرادة الجماهير في التغيير الديمقراطي.
هذا واقع حال الشعوب العربية المناضلة منذ الاستعمار العثماني والإمبريالي والإحتلال الصهيوني والنظم البرجوازية التابعة وكل مراحل المد والجزر، وحالات التقدم والتراجع والانتصار والإنكسار. وهي مراحل تاريخية يجب الاستفادة والبناء على التجارب المضيئة في المقاومة الوطنية، ودفعها وتوسيع أطرها السياسية والشعبية في مواجهة معركة المصير الوطني.
معالم المشروع الإمبريالي الصهيوني واضحة، وعلى كافة قوى التحرر العربية أن توضح معالم مشروعها الوطني التحرري البديل. فالبحث عن الخروج من النفق المظلم يحتاج بالفكر والعمل والنضال إلى قوة وإرادة وتصميم – متوفرة لدى جماهير العربية المناضلة المقاومة، لكنها تفتقد لرافعة ثورية لقيادة حركة التحرر الوطني العربية الجذرية الشاملة.
عقود الاحتلال والاستغلال وعقود المقاومة والنضال
تعيش شعوبنا العربية أسوأ مرحلة اجتماعية وسياسية وأمنية منذ قرن. تواجه بدمها ولحمها ورزقها وحياتها ومستقبلها، والأعداء يتكاثرون من حولها من الخارج والداخل. مرات تواجه وتصمد وتقاوم وتتقدم ضد المحتل. ومرات تنتفض وتثور ضد الاستبداد والقهر الطبقي. لتبقى رقبتها بين مطرقة الاحتلال وسندان نظم رجعية متخلفة أو برجوازية تابعة قدمت خدماتها ومنافعها الطبقية على مصالح شعوبها ووحدتها الوطنية وتنمية قدرات بلادها البشرية والمادية. وباتت بعد ترهلها وفسادها عاجزة إن لم نقل آداة طيعة في خدمة المشروع الاستعماري الإمبريالي الاميركي الصهيوني المرسوم للمنطقة.
النداء 2025. حقوق المنادى فقط محفوظة.