قال الرئيس الصينيّ عن الفيروس أنّه ليس بالشيطان الاوّل الذي يهاجم بلاده، والصين قويّة بما يكفي للتغلّب عليه. وسلطات بلاده لم تجد حرجاً في الإعلان عن توقيف مسؤولين حكوميّين وحزبيّين لثبوت تأخّرهم في إبلاغ السلطات المركزيّة وقلّة الإنضباط والتقاعس. تمّ تغييب هذا الكلام عن معظم الإعلام العربيّ، في حين نشرت مشاهد سابقة وتفسيرها في غير سياقها، مثال أنّ الرئيس "تشي جين بينغ" قال منذ أشهر أنّ لا قوّة في العالم تستطيع إيقاف نموّ الصين وتعاظم قوّتها، فرأى بعض هذا الإعلام العربي أنّ في ذلك الحديث نيل من هيبة وقوّة العزّة الإلهية.
اعتمدت الصين منذ أولى أيّام الأزمة، على العمل بالتكافل والتضامن بين الدولة والشعب دون اللجوء إلى تسجيل النقاط لفريقٍ في مرمى الآخر. لم تطلب الصين ولا انتظرت دعماً خارجيّاً قد لا يأتي، ولا الشعب حاول الاستفادة من ظروف قاسية طارئة لتسجيل المكاسب. تحمي الصين شعبها ولا من يسأل الأبطال عن أسرارهم وهويّتهم، كوادر طبيّة وعسكريّة وخدمة مدنيّة تهبّ لنصرة الشعب والوطن دون تمييز بين مواطن صيني وآخر وافد أجنبي، وعمر النضال في هذا البلد من عمر الآلهة في الشرق الاوسط. تقدّمت الأبحاث العلميّة، مسجّلة أرقام طبيّة قياسيّة في تحديد خريطة الحمض النوويّ للفيروس وإيجاد ثلاثة أنواع من العلاجات مسجّلة محليّاً حتى اليوم، إحداها حازت على الإذن بالتصنيع، كما في تطوير أجهزة فحص المصابين المحتملين بوسائل مختلفة، وأرقام قياسيّة في الهندسة والبناء بحيث تابع عشرات الملايين البثّ التلفيزيوني المباشر لعمليّات بناء المشافي خلال أيام، وأرقام قياسيّة ونظم مثاليّة واستجابة صادقة في إجراءات الطوارىء التي طالت مليار ونصف المليار من المواطنين، والحجر والعزل لمدن يبلغ تعداد سكانها عشرات الملايين.
أضافت الصين إلى إرث الانسانيّة خلال الأزمة ابتكارات ساهمت جذريّاً في حفظ سلامة الإنسان، من استعمال تقنيّات الجيل الخامس في تسيير مركبات آليّة لمنع الاحتكاكات غير المحمودة في بعض الأماكن العامّة كالفنادق، والصيدليّات، ومداخل المراكز الطبيّة والحكوميّة، وطائرات مسيّرة لمراقبة وتوجيه الناس، لا سيّما في القرى، كما في جزء من خدمات التوزيع والاستلام. أخيراً وليس آخراً، اعترفت منظمة الصحّة العالميّة، ليس فقط بجدوى الإجراءات الطبيّة والعملانيّة وسياسة الشفافيّة المتّبعة في الصين، بل تجاوزت ذلك لتقول إنها دروس على العالم أن يقتدي بها ويتعمّق في دراستها.
وكان التهجّم على الصين للنّيل من سمعتها واقتصادها المتنامي ونظامها الانسانيّ شبه محضّر سلفاً. يأسف المتابع لرؤية التهويل والتخويف والشيطنة ضدّ كلّ ما ومن يمتّ للصين بصلة، كلّ ذلك تحت عباءة فيروس كورونا، رغم كلّ الأرقام الإحصائية التي تؤكّد أنّ ما حلّ في الصين لم يتجاوز نقطة في بحر H1N1 الذي حلّ في الولايات المتّحدة الأميركيّة عام 2009. يأسف المتابع لرؤية أحدهم يزرع الكراهيّة ضد الصين مدّعياً الانتقام للمسلمين الصينيّين المضطهدين حسب زعمه، ويصفّق له العرب والمسلمون ويروّجون أفلامه المتفلّتة من أخلاقيّات الإسلام، ليتبيّن في ما بعد أنّه من مشاهير الأفلام الإباحيّة الممنوعة قانوناً في الصين. يأسف المتابع، كيف تنتشر مقاطع فيديو توثيقيّة لأماكن وعادات في دول غير الصين، مثل أندونيسيا والهند وتايلندا، على أنّها مصوّرة في الصين، رغم توضيحات مصوّريها وناشريها الأصليّين. يأسف المتابع ويقفز الشك إلى عقله، عندما يشاهد فيديو لرجال شرطة صينيّين يتجهّزون مع بنادقهم، ثم يظهر دماء وجثث بشرية لضحايا، ليتبيّن أنّ البنادق تعود لفترة سابقة ووجهة استعمال السلاح كانت ضد حيوانات هدّدت بعض الأحياء الفقيرة.
ويبدو أنّ من تلاعب بتركيب مشاهد الفيديو السابقة التصوير مع مشاهد حاليّة هو ذاته الذي أعدّ العديد من التقارير لمؤسّسات إعلاميّة من الصف الأول،غربيّة وعربيّة، وقد استعمل الأسلوب ذاته، تقارير من ثلاث إلى خمس دقائق تختلط فيها المشاهد القديمة مع الحديثة، ويغيب عنها أحياناً أيّ شعار يحمل اسم المحطة، ليسهّل التنصّل من المسؤوليّة لاحقاً.
لا تكفي هذه الكلمات لسرد النماذج المعبّرة عن كلّ ذلك الحقد والخبث الذي يبثّه القيّمون على الشبكة العنكبوتيّة ويجعلون من حبائله عقوداً لرقابهم. يظهر جليّاً مع الوقت أنّ تلك الشبكة جعلت للتجهيل أبواباً ضاع فيها كلّ من افتقر للموضوعيّة والمنهجيّة في مقاربة أيّ موضوع، وأنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ صارت أقرب ما تكون لبثّ الإشاعات والأكاذيب أكثر ممّا هي للتوثيق والتوعية والاجتماعيّات البريئة. ممّا يؤكّد أنّ الحروب الاقتصاديّة التي حاولت فيها الولايات المتّحدة إجبار الصين على شراء سلع إضافيّة ومحاولات فرض تنازلات تاريخيّة، وعقليّة الحرب الباردة، ما زالت كلّها محوريّة لدى الأميركيّين، وهم الذين يصرّون على وضع أنفسهم في تلك الدائرة عندما يصرّحون إنّها لفرصة سانحة لعودة الصناعة إلى مواطنها الأصليّة في الولايات المتحدة الاميركيّة، وهو ما لا تسمح به قوانين أسواقهم الحرّة.