الإصلاح الزراعي الانتقالي في السودان في ضوء برنامج الحزب الشيوعي السوداني

يمتلك السودان ثروة زراعية كبيرة حيث تتوفر مقومات الزراعة من ارض خصبة ومياه وايدي عاملة وظروف مناخية مناسبة، إلّا أن السودان وبسبب سياسات الحكومات المتعاقبة الفاشلة وعدم توفر الرؤى الاستراتيجية وسوء التخطيط وتفشي الفساد بقي السودان متخلفا في زراعته ولم يتحول لأكبر اقتصاد زراعي في العالم، وظل الفلاحون يعيشون الفاقة والحرمان وأصبحوا من الفقر فلاحي العالم بسبب ذلك. وعلى الرغم من المساحات الزراعية الشاسعة الا ان السودان يستورد القمح والمواد الغذائية، فماذا يعني ذلك ؟! كما لوحظ أيضاً أن اسعار الخضروات في أسواق الخرطوم وكردفان وغيرها من المدن السودانية أعلى من نظيرتها في أسواق عربية أخرى غير زراعية ! فماذا يعني ذلك ؟!! واي سياسة هذه التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة في السودان التي أفقرت الفلاحين وغالبية الشعب، في الوقت الذي كان يعتبر السودان سلّة غذاء العالم.


تقدّر مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في السودان بنحو 200 مليون فدّان وهي من أجود أنواع الأراضي الزراعية في العالم والتي يغذيها نهر النيل بفروعه المختلفة اضافةّ الى مياه الأمطار الاّ أن المستغل الفعلي من هذه الأراضي لا يتعدى 20% فقط و ما زالت وسائل الزراعة المستخدمة بدائية أو غير حديثة بما يكفي لذا تتدنّى انتاجية الفدّان خاصة من الحبوب بنحو ثلث مثيله في دول عربية أخرى. كما ترتفع تكاليف الانتاج والضرائب على زراعات السمسم والفول السوداني، اضافة الى أن السودان البلد الزراعي يستورد أكثر من 50 % من حاجته من القمح وأكثر من 26 % من حاجته من مواد غذائية اخرى، كما هو الحال في العراق الذي يعتبر اول بلد زراعي في العالم ونشأت فيه اول حضارة الا وهي حضارة وادي الرافدين وتتوفر فيه مقومات الزراعة ومع ذلك يستورد سلة غذائه من دول الجوار. ويشبه ذلك غنى العراق بثروته النفطية والذي يحتّل المركز الثاني في العالم في الاحتياطي النفطي ومع ذلك يستورد الوقود والمنتجات النفطية والغاز وهو أغنى بلد نفطي في العالم وهكذا حال السودان والعراق حالهم حال الجمل الذي يحمل الذهب ولكنه يأكل العاقول (العشب ).
تعتبر الزراعة وتربية الماشية من المصادر الرئيسة لكسب العيش في السودان، كما يعتبر السودان واحداً من أكبر ثلاث بلدان في قارة افريقيا من حيث المساحة وواحد من أهم بلدان العالم التي تتوافر فيه المياه والأراضي الزراعية الصالحة للزراعة مما يجعله سلّة غذاء العالم لو احسنت الادارة والتخطيط . كما يعتبر القطن من محاصيل التصدير الرئيسة كما يعتبر السودان من اكبر البلدان المنتجة للسمسم في العالم ويأتي ترتيبه الثالث بعد الهند والصين وهو أيضاً من دول العالم الأكثر انتاجاً للذرة.
وكان من أسباب تخلف الزراعة في السودان هو قيام النظام المقبور بمنح اراضي السودان للمستثمرين الأجانب شركات وأفراد فقد منحت البحرين 110 ألف فدان، وباعت أيضاً 2 مليون فدّان في الشمالية لمستثمرين مصريين و2 مليون فدّان في الشرق لمستثمرين سعوديين و 400 ألف فدّان للكويتيين، وتسليم 2 مليون فدّان من أراضي الفشقة الكبرى أخصب الأراضي في السودان وافريقيا للأثيوبيين وايجار 400 ألف فدّان من أراضي الجزيرة لشركة كورية لمدة 33 عاما دون استشارة ملاك الأراضي واهالي المنطقة. وعامل آخر ساهم بتدهور الزراعة في السودان والمتمثل برفع الدولة من خلال بنك السودان يدها عن التمويل الزراعي وتركه للبنوك الخاصة كما تدهور دور البنك الزراعي. وتشير التقارير الى استيراد السودان لمنتجات غذائية تزيد عن مليار دولار بينما لا يزيد الصرف الكلي على الأنشطة الزراعية 600 ألف دولار.
موقف الحزب الشيوعي السوداني من تخلف الزراعة:
شخّص الحزب الشيوعي السوداني في برنامجه المقر من المؤتمر الوطني السادس للحزب ( 27 – 30 يوليو / تموز 2016 ) , بأن سياسات ( المؤتمر الوطني ) والحركة الاسلامية في القطاع الزراعي يمكن ادراجها بالرأسمالية الطفيلية المرتبطة بالاستعمار والمؤسسة الامبريالية فكرياً وعملياً حيث جرت المضاربات في قوت المواطنين والنشاط غير الانتاجي المعتمد على العمولات والسمسرة، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الغلال وسعي الدول المنتجة للغذاء في العالم مثل كندا وامريكا واستراليا وغيرها لرفع اسعار الغذاء والذي شجع العديد من الدول كالصين ودول الخليج والهند ومصر وبعض دول الاتحاد الاوربي على الاستحواذ على الأراضي الزراعية في بلدان العالم الثالث مع التركيز على القارة الأفريقية وهنا لعبت الرأسمالية الطفيلية دورها في تحصيل العمولات والمضاربة في الأراضي الزراعية وبيعها او ابرام عقود ايجار طويلة المدى على المستوى الدولي . ويرى الحزب الشيوعي السوداني ان هذا الأمر لا يعني استثمار زراعي يعمل على استصلاح الأراضي وتطوير مناطق الانتاج وانما هو استحواذ كامل على الأرض الزراعية وانتاج الغذاء أو الوقود الحيوي بهدف التصدير للبلدان الممّولة ولا ينعكس ذلك على أوضاع الشعب السوداني حيث تنتفع البلدان الممولة بينما يتضور المواطنين السودانيين جوعاً.
ويرى الحزب الشيوعي السوداني ان برنامج الاصلاح الزراعي للفترة الانتقالية ينبغي ان يقوم على الآتي:
اولاً : اصلاحات عاجلة : تتمثّل باسترداد جميع الأراضي السودانية المباعة بصفقات مشبوهة لمنسوبي النظام السابق ولغيرهم الى جانب مراجعة عقود الاراضي الممنوحة للمستثمرين ووضع الشروط للاستثمارات الاجنبية في القطاع الزراعي. اضافة الى حفظ حقوق الرعاة والمزارعين في استغلال الأرض وتحديد المسارات لمنع الاحتكاكات القبلية وتحقيق الاستقرار وصيانة التربة الزراعية والحفاظ على ديمومة المراعي وتأمين غذاء الحيوان . ويؤكد الحزب على ضرورة اعادة كل ما تم خصخصته من مشاريع المؤسسات الزراعية المختلفة واعادتها للقطاع العام والعمل على تأهيلها لتتمكن من سدّ الحاجة المحلية وتصدير الفائض. كما يؤكّد الحزب الشيوعي السوداني على الغاء القوانين الخاصة بالمشاريع المروية خاصة مشروع الجزيرة لعام 2005، فهذا القانون فيه كثير من المشاكل حيث ان اعطاء حرية زراعة المحاصيل قد أدّى الى توفّر عدد محدد من المنتجات الزراعية ولم تجد التسويق الكافي. كما ان الغاء واعفاء الخفراء والمفتشين الزراعيين أدّى الى تدهور عام في مشروع الجزيرة وان تقليص مهام ادارة مشروع الجزيرة أدى الى فقدان عدد كبير من اصول المشروع . ومشروع الجزيرة في السودان يعتبر من اكبر المشاريع فيها حيث تقدر مساحته بـ( 2 مليون ) فدان ويمتاز بإنتاج القطن بأنواعه المختلفة الا ان المشروع شهد في السنوات الاخيرة تدهورا سريعا في الانتاج اضافة الى وجود مشاكل في ملكية الأراضي. وقد اعترض الكثيرين على القانون بعد اصداره عام 2005 ويرى المعترضون على القانون بأنه مخطط مدروس لتفكيك المشروع وتشريد المزارعين وادخال القطاع الخاص تنفيذاً لتوجيهات البنك الدولي. كما يطالب الحزب بإلغاء قانون أصحاب الانتاج الزراعي والحيواني لعام 2010 وصياغة قانون ديمقراطي لاتحادات المزارعين . ويرى الحزب ضرورة وضع خطة لتطوير الزراعة والعمل على توطين النازحين بالمدن واللاجئين بدول الجوار في مشروعات للإعاشة مؤكداً على تحديد أولويات السلع المستوردة وتحفيز الفئات الاجتماعية المنتجة الى جانب الاهتمام بالاستخدام الكفء لمياه الري مع اعادة الاشراف الكامل على عمليات الريّ لوزارة الريّ.
ثانياً: اصلاحات لتحقيق دفعة في مجال المعروض من السلع الزراعية خاصة الغذائية : وفي هذا المجال يرى الحزب الشيوعي السوداني ضرورة توسيع دور القطاع العام في التمويل والتسعير والتصنيع والتمسّك بالدور الريادي للقطاع العام الذي يبقي على الملكية العامة للدولة في الأرض والري والاليات لاستنهاض الانتاج الزراعي بطريقة فاعلة، مع الاهتمام بتعديل التركيبة المحصولية لصالح المحاصيل الغذائية واخضاع الاستثمارات التعاقدية لتحقيق هذا الهدف وتحقيق توازن نسبي بين تكاليف العملية الانتاجية والعائد النقدي للمزارعين والذي سيشجعهم. ويؤكد الحزب ايضا على اعادة تأهيل المشروعات الزراعية القائمة واقامة استثمارات جديدة اضافة ضد المخاطر والكوارث الى التحديد العادل لأسعار المنتجات والمدخلات واعطاء اولوية خاصة لتوجيه الدعم نحو أصحاب الحيازات الصغيرة والمنتجين الفعليين في القطاع التقليدي ومشاريع المضخات الصغيرة بشروط ميسرة من تمويل وبذور محسنة ومصادر طاقة متجددة وحماية وتأمين اصحاب الحيازات نساءً ورجالاً. ويشير الحزب الشيوعي السوداني الى الاهمال الذي يعاني منه القطاع المطري التقليدي الذي يعتبر احد ركائز الانتاج الزراعي مؤكدا على ضرورة وضع خطة لحل كل المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع للارتقاء بإنتاجيته من خلال توفير مدخلات الانتاج من آليات وبذور محسنة والوقاية من الآفات الزراعية وتوفير الائتمان بشروط ميسرة وادخال التقانات الحديثة في العمليات الانتاجية مع الاهتمام بالبحوث والارشاد الزراعي والتدريب لرأس المال البشري العامل في هذا القطاع الهام. اضافة الى تولي القطاع العام الاشراف على هذا القطاع مع العمل على تطوير وتحديث آليات تسويق المحاصيل.
ثالثاً : التمويل : كان بنك السودان يقدّم التمويل المباشر للقطاع الزراعي عن طريق القروض للمؤسسات الزراعية الحكومية بفائدة لا تزيد عن 9% الا أنّ حكومة الجبهة اتخذت من تأخر التمويل وعدم كفايته ذريعة لإيكال مسألة التمويل للبنوك التجارية . وفي هذا المجال يؤكد الحزب الشيوعي السوداني عل استناد التمويل على عدة اسس فتؤخذ تكاليف زراعة الفدان الواحد للمحصول المعني والتي تعدها الجهات الفنية في وزارة الزراعة واحتساب انتاجية الفدّان الواحد مع اضافة ارباح للمزارع بحدود 33% من التكلفة المقدرة وبالتالي يتم الوصول لسعر القنطار من القطن مثلا – الوحدة القياسية من المحصول المعني .على ان تتولى ادارة المؤسسة الممولة السداد , وان تقوم ادارة مشروع الجزيرة ومؤسسة حلفا الجديدة بتقديم الضمانات الكافية لتسليم كميات القمح . الى جانب اهتمام الحزب في برنامجه بقطاع الثروة الحيوانية والثروة السمكية وقطاع الدواجن وهذه تحتاج الى وقفة خاصة.
وبهذا الصدد فقد أشار الحزب الشيوعي السوداني في برنامجه الى ان سياسات التنمية الرأسمالية التابعة قد وسعّت من دائرة الفقر وعمقّت التفاوت بين أقاليم السودان وكذلك بين طبقاته وشرائحه الاجتماعية. فالثروة تتراكم عند الأقلية والفقر يسحق الأغلبية العظمى من افراد المجتمع اذ يحصل النصف الأكثر فقراً من السكّان في البلاد على 8% فقط من الدخل القومي مقارنة مع 22% لنفس الفئة في افريقيا جنوب الصحراء ، مؤكداً على ضرورة تطويق الأزمة وتخفيف معاناة الجماهير. وانّ البديل الوطني الديمقراطي للتنمية الذي يدعو له الحزب جماهير الشعب لمساندته وتبنيه لتجاوز واقع التخلفات والفقر والتشوهات التي افرزتها سياسات التنمية الرأسمالية التابعة. ويؤكد الحزب الشيوعي السوداني أيضاً في هذا المجال على القيام بإصلاحات لتخفيف حدّة الفقر ومعالجة الأوضاع الزراعية الغذائية الحرجة وتخفيض عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر، اضافةً الى تطوير الاقتصاد الوطني من زراعة وصناعة وتعدين وغيرها والغاء الديون على فقراء ومتوسطي الحال من المزارعين ومعالجة أوضاع الخدمات الزراعية والاجتماعية للمزارعين والاهتمام بالصناعة التي هي أداة استراتيجية التنمية الوطنية الديمقراطية والعمل على مكافحة البطالة بكافة اشكالها.
المصدر: موقع الحزب الشيوعي السوداني