فشلت محاولات التأليف، وتعثّرت المبادرة ولم يسقط معها لا المندوب السامي الجديد إيمانويل ماكرون، ولا نادي رؤساء الحكومات السابقين الفاسدين ولا مشروع المثالثة المذهبية الرخيص. كلّهم جاهزون يتحضرون للانقضاض على محاولة التأليف المقبلة، وربّما على مؤتمرات تأسيسية جديدة، ويتنازعون أطراف التفاوض والتسويات، على جثّة لبنان واللبنانيين.
اللبنانيون يصطفّون على أبواب السفارات هرباً منهم، وينزلون إلى الساحات والطرقات اعتراضاً عليهم، ويبتدعون الهجائيات في ذمّهم علناً حيناً وسراً أحياناً. يركبون قوارب الموت صوب مقبرة البحر الأبيض المتوسط، هرباً من الجحيم إلى الجحيم. يجوعون ويأنّون، فتطرب آذان رؤسائهم ومسؤوليهم فرحاً لتلك الأصوات الشجيّة.
تقترب ذكرى 17 تشرين، حيث مرّت سنة كاملة على انطلاقة أعظم انتفاضة شعبية في تاريخ لبنان الحديث، وهي التي حملت في أحشائها غضب الناس على قوى السلطة جمعاء، ومعها حلمهم في وأد الاستغلال والإفقار والمذهبية التي تعود الآن كي تطلّ برأسها لتقضي على آمالهم وأحلامهم وتعيد لبنان إلى دوّامة التبعية والوصاية والمذهبية والفساد والفشل نفسها. تقترب الذكرى، ولعلّها تكون مناسبة لإعادة تجميع صفوف الغضب الاجتماعي العارم وتحفيز بناء البديل السياسي القادر على بناء السلطة البديلة.