بين هدوءٍ وصخب...


على فوهةِ الإنتظار
بين انتفاضة الواقع وهدأة البال
قناعٌ رمادي باهت الألوان
لا يميِّز قوي من ضعيف
لا حاكم جائر ولا مغلوب مسكين...


اختلط حابله بنابله على وقعٍ موسيقيٍ ينذر بطبول تقرع إنذارًا،
وتشحذ نفوسًا غادرها الفرح، وانتابها الضيق معلنًا إفلاسها...
فكان صوتها شحيحًا ضعيفًا ينمّ عن الرعب والخوف من الجوع والحاجة...
صرخة ضمير ووقفة عز
تنشد التفلّت وكسر القيود...
والمُسَكِّنُ كلامٌ أخرس
جرار الطين زادًا للدمع والحسرة...
أمهات تطرّز الحزن على جبين الغربة...
تشتهي الحضن، وعيونهم تروي التراب،
وعلى أعتاب الليل نسترجع أمجادنا...
نتغنى بحروبنا الضروسِ،
وبطولات نرويها قصصًا لأطفالنا للرقادِ...
نطلق العنان لبؤسنا وحزننا وخيبتنا...
نهدي نُعاسنا لآخرين بجباهٍ تمتص سواد العتمة والليل،
وعند الفجر نبني سياجًا من الترقب والقلق والانتظار...
بجعبةٍ مليئةٍ بذكرى من الأمل المغيَّب...
صاح الديك على غصةِ حناجرنا
فَتَكَ عدو الجوعِ في أحشاءنا...
همّشوا خبزنا وغرّسوه بالترجي والعار...
كممّوا أفواهنا بكماماتٍ تقطع نشيد الأغنية، ونسائم الحرية...
اغتالوا الكلمة...
لوَّنوا حبرها...
استنزفوا طاقتنا...
حوّلوها لبؤرٍ مذهبية وطائفية...
حُرمنا لذة العيش بكرامة...
لم يكن الحلم مستحيلاً...
لا قصورًا ولا مالاً وفيرا،
ولا أساطير تُحكى بألفِ ليلةٍ وليلة...
كان حلمًا يشبه عصفورًا يزقزق على غصن سنديانة
ينشد سلامًا للأرض والعدلَ للإنسان...
ونحن كالدُّمى المتحركة نسخط لحدثٍ، وننفعل لنشرة أخبار...
نترقب احتضارنا ببطء، ونتابع مسلسل انتحارنا...
كأننا على خلاف مع الحياة...
نتغنى بالخيبات، ونبكي على الأطلال،
والسراب حليفٌ مخيف...
البطالة طالت الجميع،
وغلاء المعيشة استفحل في يومياتنا،
والحدّ الأدنى لا زال على حاله...
كيف لنا القدرة على تحمّل كل هذه المرارة
في ظل دولة فاشلة خانعة
لا تجرؤ على الهمزِ واللمزِ
إلا من خلف أبواق ثعالبها وحيتانها،
لم تعنى يومًا بحق أو بهموم مواطن...
همها الوحيد هو الإستيلاء على أرزاقنا،
ومبايعة أصواتنا بحفنةٍ من مالنا،
وتعبنا المنهوب...
أكلوا أخضرنا...
تركوا اليباس لجلدنا الأسمر...
حوّلوا هياكلنا الى جذوعٍ قاسية لا اخضرار فيها...
لقد أصبحنا أُضحوكة الدول...
نقف على عتبات المصارف نشحذ حقنا،
وعلى الأفران قوتَ يومنا...
ليت الحلم كان أصغر لتكون الخيبة أقلَّ وطأة...
أي بؤسٍ هذا، وأي كفرٍ نعيش...
لن تعرفوا بعد الآن الهدوء والسكينة، وأفواه الجوعى تؤذن في مسامعكم
حيّ على الجوعِ...
حيّ على الانسان...
لن تدركوا معنى الطمأنينة،
وبطونكم متخمة بكدِّ، وعرق المساكين
لن تشعروا بالأمان والاستقرار وأعين الحق تترصدكم كالهشيم بالنار...
سيلعنكم التاريخ ودموع المشردين...
سيلعنكم أولادنا وأحفادنا وأجيالنا...
سيلعنكم الشهداء عندما تفيض
الأرضَ بالدَّمِ والنار...
ستلعنكم هذه الحقبة من الخريطة الجغرافية...
كفاكم متاجرة بعقولنا وأجسادنا
حوّلتم الناس الى رادارات تلتقط السبق والحدث دون الالتفات الى ما يحتاجونه من مأكل ودواء
وتسألون لِمَ السجون مكتظّة بالناس
قد نرحم...
قد نهادن
قد نتغاضى
إلاّ بالجوع الكافر
قد نصبح أصلب وأقوى
كلَّما قتلتم الأمل فينا
كلَّما أعلنتم حروبكم الوضيعة
نصبح أقوى وأمتن
نتسلّح ونرتدي ثياب الأمل الساكن فينا...
افعلوا ما شئتم..
لن تهزمونا...
يومًا ما سننشد اغنية، ونحتسي نخب انتصارنا،
ونتحرر من قيودنا المتجذرة...