ليس بعيداً عن الحدود المصطنعة التي زرعها المستعمر، تقع بلدة صلحة المحتلة (مستعمرة أفيفيم). لا فرق هنا إنْ كانت لبنانية أو فلسطينية، طالما أنّها تتبع مباشرة بعبارة "محتلة". وهذا يعني أنّ واجب تحريرها لا يعترف بالتبعية "السايكس-بيكية" (نسبةً لمعاهدة سايكس-بيكو) لها.
مشهدان تصدّرا واجهة الأحداث في لبنان خلال الأيام القليلة الماضية: الأول، العملية التي نفّذتها المقاومة في مستعمرة "أفيفيم"، والثاني، العقوبات الأميركية على لبنان، وبالتحديد على القطاع المصرفي. قد لا يبدو، أقلّه بالشكل، أنّ ثمة ترابطاً بين الحدثين، لكن، في الجوهر، يكاد يكون الاستهداف واحداً والمعركة واحدة، ومن خلال مخطّط مدروس الخطوات ومعلوم الأهداف؛ هو قرار متخذ من قبل دوائر "البيت الأسود" لمحاصرة لبنان ولضرب بنيته الاقتصادية والاجتماعية، وبالتحديد منها، البنية التي تحمي خيار المقاومة فيه وفي المنطقة والمجاهرة بذلك.
من المضحك أن نتوقّع من اجتماع يحضره أمراء الحرب الأهلية، ورجال الأعمال وورثة كاتبي السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي أوصلتنا إلى حيث نحن، قرارات لمصلحة الطبقة العاملة والمُهمّشة. خرجوا من الاجتماع كما دخلوا، بجيوب مثقلة بثرواتنا وضمائر غير آبهة لما اقترفوا. في صراعنا اليومي في هذه المنطقة، لا يُخفى علينا من هم أعداء الداخل وناهبيه، ولا تُخفى نهاية الطريق التي يسيّروننا عليها، لا يُخفى إلّا سرّ قدرتهم المتجدّدة على تخدير الأغلبية وتغريبها عن مصالحها.
ليس لأربعين وسنة أن تترجمها كلمات قليلة، والثابت لمجرى الأحداث، كيف انفلتت علينا غيلان القتل والدمار، يقيمون احتفالاتهم الوطنية ومآدب الأضاحي البشرية بكل موت مسموع حتى ما وراء الحجب.
-++++++المشهد الأول، هو الاعتراض على بضع كلمات في أغاني فرقة فنية في لبنان، بذريعة مسّها بعض الأديان، وما تلا ذلك من تهديدات بالقتل واجتماعات دينية وسياسية وكلام في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي... ومن ثم إلغاء الحفل!. المشهد الثاني، طفل فلسطيني-مقدسي، ابن أربع سنوات، يُساق إلى التحقيق بناءً لاستنابة قضائية من شرطة الاحتلال بتهمة قذفه الجنود الصهاينة بالحجارة؛ يسير بكل جدارة حاملاً كيس طعامه، والأساسي فيه هي علبة الحليب!
في سياق كتابة تاريخ الشعوب، مهما فنّدت الرواية تاريخ القمع والقهر والاستغلال وتفاصيله، تكون السردية منحازة للاستعمار والنظام المهيمن، إن لم تكتُبْ عن المقاومة التي نشأت في ظلّ هذا النظام. وفي يومنا هذا، لا حدود للمقاومة، أي لا حدود للمجالات التي تعمل المقاومة من خلالها، لأنّ لا حدود للرأسمالية. ونحن نعلم ذلك، علمَ اليقين، وعلمَ التجربة.