نريد رئيسا لمشروع الانتقال نحو الدولة العلمانية الديمقراطية، دولة العدالة الاجتماعية

شكلت الأزمة الحالية التي يعيشها لبنان ذروة أزمات النظام السياسي المتعاقبة من حيث هي: أزمة معمّمة: في سقوط نظام الطائف، وحال الفراغ وخطر الفوضى، والانهيارالشامل لمعظم وظائف الدولة ومؤسساتها الدستورية والادارية ونظامها الاقتصادي والمالي والنقدي، وتردي معظم الخدمات العامة للدولة من كهرباء ومياه ونقل وصحة وتعليم ...،

شكلت الأزمة الحالية التي يعيشها لبنان ذروة أزمات النظام السياسي المتعاقبة من حيث هي: أزمة معمّمة: في سقوط نظام الطائف، وحال الفراغ وخطر الفوضى، والانهيارالشامل لمعظم وظائف الدولة ومؤسساتها الدستورية والادارية ونظامها الاقتصادي والمالي والنقدي، وتردي معظم الخدمات العامة للدولة من كهرباء ومياه ونقل وصحة وتعليم ...،
أزمة معمّمة: في ما أحدثته من تحوّلات عميقة على مستوى البنية الاجتماعية، لجهة الأوضاع الكارثية التي طرأت على الطبقة العاملة والأجراء وتساقط الطبقة الوسطى وشرائح اجتماعية واسعة ممن نهبت ودائعهم الصغيرة وأموال صناديقهم الضامنة في الضمان الاجتماعي ونقابات المهن الحرة حتى أصبح 80% من الشعب اللبناني يعاني الفقر والبطالة ويُدفع دفعا نحو الهجرة.
أزمة معمّمة: في تزامنها وارتباطها مع ما يماثلها من أزمات على صعيد المنطقة حيث تعاني شعوب منطقتنا العربية والأقليم من استغلال وافقار وحرمان على يد حكام أنظمة القمع والتطبيع والتبعية ، وكلاء الامبريالية المنفذين لمخططات هيمنتها في مشروع الشرق الأوسط الجديد المندفع لتصفية القضية الفلسطينية وتقسيم دول المنطقة الى دويلات وفدراليات متصارعة ، بما يفسح بالمجال امامها للتوسّع فكانت منطقتنا العربية أولى ساحاتها المستهدفة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن ...،
في مثل هذه الظروف ومع هذا الصراع المفتوح لا يبدو الخروج من أزمتنا الراهنة متوافرا في المدى القريب، لا على مستوى انتاج التسوية الطائفية بين أطراف السلطة، ولا على مستوى سد الفراغ الرئاسي وتشكيل الحكومة، نتيجة عدم وجود توافق اقليمي ودولي حتى الآن، وعدم تبلور اكثرية نيابية قادرة على انتخاب رئيس للجمهورية.
على هذا الواقع، تتوالى الأحداث والمؤشرات التي تنذر بالاندفاع نحو الفوضى على وقع الشحن الطائفي المؤدي الى صدامات أمنية كما حصل في تلفزيون م . تي . في ، حيث نرى زعماء الطوائف يتحركون كما تتحرك "الروبوتات المبرمجة" وفق مصالحهم والتزاماتهم بأجندات أوصيائهم في الخارج. وعلى هذا النحو، وللمزيد من شد العصب المذهبي ينضم اليهم البطريرك الماروني بشارة الراعي مطالبا بمؤتمر دولي لحل الأزمة، لياتي الرد من رئيس المجلس الاسلامي الشبعي الأعلى الشيخ أحمد قبلان مذكرا بالمجلس النيابي ممرا اجباريا ومكانا بديلا عن الخارج . اليهما نقول: ان القيّمين على المؤسسات الدينية هم جزء لا يتجزأ من المنظومة الحاكمة وفسادها ورهاناتها الخارجية المدمّرة التي أوصلت البلد الى الانهيار، فأنتم جزء من المشكلة، ولستم جزءا من الحل والأنقاذ.
يأتي كل ذلك على وقع أجندة البيان الثلاثي الاميركي – الفرنسي – السعودي الداعي الى تنفيذ القرارات الدولية 1701(وقف اطلاق النار) و1680(ترسيم الحدود مع سوريا) و 2650 (توسيع صلاحيات اليونيفل) و1559 (سحب سلاح المقاومة)، والتمسك باتفاق الطائف، وتنفيذ اجراءات صندوق النقد الدولي تحت مسمى "الأصلاحات"، لتجري تسمية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لتنفيذ هذه الأجندة.وهو ما يعني ان التسوية بعيدة وانتاجها سيجري على صفيح ساخن مع هذه الهجمة الهادفة لوضع لبنان تحت المظلة الأميركية.
لقد شرب أطراف البيان الثلاثي "حليب السباع" واستفادوا من مسلسل التنازلات التي قدّمت لهم من قبل السلطة بمكوناتها كافة في اعلان اتفاق الاطار وتوقيع ترسيم الحدود وفق المشيئة الأميركية وبرعايتها؛ ومن المشهد المدان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي متقابلاً في اجتماع مع وزيرة الكيان الصهيوني ، ليندفعوا عبر مواقف مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى "باربرا ليف" التي بشرت اللبنانيين " بالانهيار الشامل، وتفكك القوى الأمنية وتحمّل آلام الفقر والجوع والهجرة الجماعية"، ايذانا ببدء الهجمة . هكذا وبكل وقاحة تعاقب الأدارة الأميركية لبنان واللبنانيين، وتهددهم علنا ، اما بالخضوع لأجندتها، واما بتحويل لبنان الى رماد.
وعلى هذا الأساس، وبهدف تنفيذ هذه الأجندة، تحرّك السفير السعودي في جولاته مستنهضا همم العشائر، ومحققا تأمين الثلث المعطّل لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية ، ومعطلا عشاء السفارة السويسرية ليقيم بديله منتدى الحوار في قصر الأونسكو بمناسبة مرور 33 عاما على اتفاق الطائف، مطالبا بتطبيقه مستقويا بموقف ماكرون المتخلي عن اجراء عقد اجتماعي جديد بين اللبنانيين والذي سبق أن أعلنه بعد انفجار مرفأ بيروت.
وفي الموقف من الطائف ، تختلف السقوف السياسية لدى الأطراف الموافقة على الانطلاق منه. فمنهم من يسعى لتطبيقه بمواده كافة، ومنهم من يكتفي بتطويره، والبعض الآخر بتعديله. والمقصود بتطبيق الطائف بمواده كافة: هو تطبيق المادة 95 ( تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية) والمادة 22 ( قانون الانتخابات خارج القيد الطائفي وانشاء مجلس للشيوخ)...، وهذا برأينا من سابع المستحيلات الموافقة عليه، لأن الاحزاب الطائفية السلطوية الممسكة بالقرار لن تلغي الطائفية السياسية لأنها بذلك تلغي نفسها ووجودها، وما من ميزان قوى يفرض عليها القيام بذلك، هذا فضلا عن موقف أوصياء الخارج الذين زرعوا ورسخوا طائفية النظام السياسي أساسا لهيمنتهم ومبررا دائما لتدخلاتهم .
أما من يطالب بتطوير الطائف فهي القوى التي تكتفي بوضع مهل زمنية محددة وملزمة للرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة ، وكذلك للوزير لجهة مهلة اصدار المراسيم ، وسوى ذلك على صعيد المهل. أما تعديل الطائف فهو المرتبط بالمتغيرات الحاصلة في موازين القوى بين القوى الطائفية. من هي القوى التي تراجعت، وتلك التي تقدمت؟ وهو ما ينعكس في طرح بعض المشاريع من نوع المثالثة (المؤتمر التأسيسي ضمنا) أو الفدرلة والحياد (المؤتمر الدولي ضمنا)، أو اللامركزية الادارية والمالية الموسّعة (الفدرلة المقنعة).
حيال كل هذه المشاريع المطروحة، وحتى لا يجري تغطية السماوات بالقبوات نقول: ان المشروع الحقيقي و الفعلي هو ما يجري تطبيقه على أرض الواقع، حيث يقوم زعماء الطوائف بتثبيت ركائز دويلاتهم المذهبية في مناطق هيمنتهم، التي بها يفرضون جدول أعمال خلافاتهم وصراعاتهم المذهبية وتسوياتهم في آن، وهم بذلك ينفذون بأيديهم المشروع الاميركي الهادف الى تقسيم دول المنطقة الى دويلات وفدراليات مذهبية وأتنية متصادمة في ما بينها، ليبقى الكيان الصهيوني مهيمنا في المنطقة.
لقد سبق لحزبنا وسائر قوى التغيير الديمقراطي ان حذّروا من سياسات التحالف السلطوي – المالي التي أوصلت البلاد الى ما وصلت اليه من انهيار. ومن حقهم اليوم رفع الصوت بوجه هذا التحالف: الى اين أخذتم البلد، وتأخذونه؟ ولا يزايدن أحد عليها لا في الوطنية ولا في مقاومة الاحتلال والعدوان الصهيوني ولا في انجاز التحرير، ولا في مواجهة الهيمنة الأميركية ووكلائها المحليين ومعهم كل المتمسكين بنظامها السياسي الطائفي في الداخل. من حق هؤلاء اليوم ان يحاسبوا هذا التحالف على ارتكاباته وجرائمه بحق الشعب اللبناني بفئاته الشعبية المسحوقة افقارا وبطالة وجوعا وتهجيرا على يد هذا التحالف الذي فرّط ويفرط بكل هذه التضحيات التي قدّمها شعبنا.
نعم من حقهم، فهم من وقفوا طوال تاريخهم وكانوا وقودا لكل المعارك الوطنية والسياسية والاجتماعية. دفعوا أثمانا باهظة منذ اتفاق الطائف وقببل حصوله، اغتيالا وابعادا واستهدافا سياسيا ونقابيا. قاوموا العدوان الصهيوني في حرب تموز، أسهموا وقادوا حراك اسقاط النظام الطائفي وهيئة التنسيق النقابية وحراك الحفاظ على البيئة وسائر التحركات النقابية والنسائية والطلابية وخاضوا المعارك الانتخابية النيابية والبلدية والنقابية ضد هذا التحالف السلطوي ورعاته والتي أثمرت بتراكمها انتفاضة 17 تشرين، انتفاضة وطنية وشعبية نزل فيها اللبنانيون في كل المناطق لاسقاط النظام السياسي الطائفي وحماته تحالف أحزاب السلطة وحيتان المال الذين تسبّبوا بتجويعهم ونهب أموالهم وقمعهم ليتهرّبوا من المحاسبة والتحقيق في جريمة المرفأ. نعم من حقهم محاسبة من كانوا وما زالوا وكلاء الولايات المتحدة ممن استعطوا مليارات الدولارات عبر أذرعها المالية: صندوق النقد والبنك الدولي في باريس 1 و2 و3، ووقعّوا اتفاق الأطار بين دولة لبنان ودولة "اسرائيل" وتنازلوا عن الخط 29 برعاية أميركية.
للبنانيين نتوجه اليوم قائلين: ان هذا التحالف السلطوي – المالي، وبعد كل ما جرى، يريد أخذكم مجددا الى دوامة الحروب الطائفية المستمرة من خلال مختلف المشاريع التي يطرحها وينفذها على أرض الواقع والتي تبقيكم في نظام الرعايا للطوائف والدويلات المتحاربة بدلا من الخروج الى رحاب دولة وطنية علمانية، دولة مواطنة وعدالة اجتماعية.
لذلك رفضنا كل الصيغ الطائفية التي يسعى هذا التحالف اليوم للتوافق عليها مجددا، داعين شعبنا الى تخطي حواجز الأحباط والانطلاق بقوة مستمدة من روح انتفاضة 17 تشرين في أوسع حملة سياسية وشعبية تحت شعار: لا لتكرار التسويات الطائفية، نعم للدولة الوطنية العلمانية الديمقراطية. لا لدولة الريع والافقار والتهجير، نعم لدولة الأقتصاد المنتج والعدالة الاجتماعية. نعم لرئيس للجمهورية يجسد هذا المشروع السياسي البديل، مع كل ما يتطلب ذلك من اجراءات وقوانين للمرحلة الانتقالية الانقاذية، وفي مقدمها:
اقرار قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي وتطبيق النسبية في الدائرة الواحدة أو الدوائر الموسّعة؛ قانون نسبي للحكم البلدي يحدّ من إستمرار حصر معظم الموارد والثروات في قبضة الحكم المركزي؛ قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، قانون لالغاء جميع اشكال التمييز ضد المرأة، قوانين وطنية للأحزاب والنقابات والجمعيات ولمفهوم الإقامة والجنسية؛ وتشريعات تكفل حماية الحريات العامة وتطويرها، وإعادة توزيع الثروة عبر تأمين حقوق المواطنين في الأجر الإجتماعي بما يعني: تصحيح الرواتب والاجور وتأمين التغطية الصحية الشاملة والتعليم الرسمي النوعي والمجاني وتأمين الكهرباء والمياه وحق العمل والسكن والنقل العام؛ والقضاء المستقل. واسترجاع الاموال والاملاك العامة المنهوبة والودائع لصغار المودعين واموال صناديق التقاعد وتعويضات العمال في الصندوق الوطني الاجتماعي.

  • العدد رقم: 410
`


حنا غريب