مع عقد قمة الأمم المتحدة السنوية للتغيُّر المناخي (COP27)، التي التأمت في شرم الشيخ، في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تزداد التحديات المناخية التي تواجه دول العالم قاطبة، والتي زادت الحرب في أوكرانيا من خطورتها، ما قد يجبر المترددين على التحرك الجدي لتقليل مخاطر تلك التحديات. وهم عادة لا يتحركون إلا بعد حدوث المصائب، وهذا ما ظهر أخيراً مع تجاوز الحرارة معدلاتها في أوروبا، والذي أدى إلى اندلاع حرائق وحدوث وفيات. وتتعمَّد دول غربية كثيرة التغافل عن الأمر، بسبب إنكارٍ حكوماتها هذا التغيُّر، متأثرة بتقارير تتحدث عن عدم صحة ظاهرة التغيُّر المناخي، ومدفوعة بتأمين مصالحها المباشرة، بغض النظر عن تأثير ذلك على المناخ، وهو ما تأكد مع عودة بعض الدول إلى استثمار الفحم الحجري بعد تقليل روسيا إمدادات الطاقة عن أوروبا.
وبدأ الأمر، في تموز/ يوليو الماضي، مع موجة الحر التي ضربت فرنسا وبريطانيا، وغيرهما، وتزامنت، أو كانت نتيجة انحباس الأمطار غير المعتاد في هذه الفترة من السنة، ما أدى إلى اندلاع حرائق في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا واليونان وسلوفينيا. وقد هددت الحرائق العاصمة لندن بعد اندلاع عدد منها في بعض ضواحي المدينة. كما جفَّت أنهار وبحيرات في ألمانيا وإيطاليا وصربيا والتشيك، وتراجعت مستويات المياه في أنهار أخرى في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية. وتزامن حدوث كل مظاهر التغيُّر المناخي دفعة واحدة في أنحاء كثيرة من العالم؛ إذ إضافة إلى موجات الحر واندلاع الحرائق وذوبان الجليد في القطبين، حدثت فيضانات كارثية في بعض الدول، وضرب الجفاف بعضها الآخر، وانتشرت الأوبئة والجائحات التي يسببها الجفاف في مناطق أخرى. وقد احتاج العالم، خصوصاً أوروبا، إلى ظهور ما يسمى "أحجار الجوع" في الأنهار التي تراجع مستوى المياه فيها، ليدرك أن الخطر بات وجودياً، ولكن من دون الاتجاه إلى تبني خطط جدية تقلل انبعاث غازات الدفيئة، خصوصاً الكربون، للحد من هذا التغيُّر.
وللمفارقة، وعلى الرغم من حلول كل ظواهر التغيُّر المناخي في أوروبا، وغيرها من الأماكن، دفعة واحدة، عادت بعض الدول الأوروبية، ألمانيا وفرنسا والنمسا، إلى استخدام الفحم الحجري في الصناعة وتوليد الطاقة، بعد تخفيض روسيا من إمداداتها من النفط والغاز عن القارة الأوروبية وقطعه في بعض الأحيان. وهو ما يشير إلى أن هذه الدول لا تبالي بالتحذيرات من خطورة هذا التغيُّر الذي لمست ظهور تأثيره المباشر واحتمال استمراره. ولا يمكن النظر إلى لجوئها لاستخدام الفحم الحجري المدمر للبيئة، بعد تحريم استخدامه لسنوات، على أنه نتيجة الحاجة الماسة، بل لأنها تغلِّب مصلحتها الآنية في تحقيق الربح، وفي عدم التسبب في إبطاء النمو، على المساهمة في معالجة مشكلة التغيُّر المناخي المستديمة. ويكمن في هذا الأمر خطورة من أن تحذو دول أخرى حذو أوروبا فتزداد مصادر التلوث وتزداد تأثيراتها.
وليس التحذير من حدوث هذا التغيُّر جديداً، إذ يعود إلى سنة 1896، عندما ابتكر العالم الكيماوي السويدي، سفانتي أرينيوس، مصطلح "الاحتباس الحراري"، محذراً من أن تضاعف كمية غاز ثاني أكسيد الكربون عن الحد الطبيعي في الغلاف الجوي سيزيد من حرارة الكرة الأرضية من 4 إلى 5 درجات، الأمر الذي تؤكده الدراسات يومياً. ثم ساهم تطور الصناعة، وأشكال مختلفة من النشاط الإنساني، في انبعاث غازات أخرى سميت غازات الدفيئة، منها أكسيد النيتروز وغاز الميثان والأوزون والكلورفلوركربون الذي يسبب تآكل طبقة الأوزون، إضافة إلى زيادة بخار الماء في الجو. وتعمل هذه الغازات على التقاط حرارة الشمس لتسخين الأراضي والهواء والمياه بشكل دائم. وتضافر انبعاث هذه الغازات مع تراجع مساحة الغطاء النباتي بعد تدمير الغابات الذي أدى إلى زيادة التصحر والجفاف.
بعد ملاحظة عدم اتجاه الدول الغربية الجدي إلى المصادر البديلة للطاقة، أو حتى زيادة الاعتماد على الغاز، القليل الانبعاثات، وتقليل الاعتماد على النفط الملوِّث، يمكن القول إن هذه الدول ماضية في زيادة تسببها في التغيُّر المناخي، على الرغم من توقيعها اتفاقات للحد منه، خصوصاً "اتفاق باريس للمناخ" الملزم للدول التي وقعته على العمل على خفض الانبعاثات الغازية. غير أن عدم التزام دول كثيرة به يعود، إضافة إلى المصلحة الاقتصادية، إلى إنكار هذه الدول ظاهرة التغيُّر المناخي، وهو ما سرى مثل الداء على مدى سنوات كثيرة. وتغلَّب هذا الإنكار على الحقائق العلمية التي أثبتت حدوث التغيُّر المناخي وحذرت من آثاره على البيئة والكائنات الحية برمتها. والسبب في هذا الإنكار شن عدد من الشركات الكبيرة التي تعمل في مجال الطاقة والنفط والصناعة في الولايات المتحدة وأوروبا حملات للتشكيك في ظاهرة الاحتباس الحراري. وقد كشف هذا الأمر عالِما الاجتماع، ريلي دانلوب من جامعة أوكلاهوما، وآرون ماكرايت من جامعة ميتشيغن الأميركية، وأظهراه في دراسة صدرت على شكل فصلٍ من كتاب حول التبدلات المناخية أصدرته جامعة أوكسفورد أواخر سنة 2011. واتهمت الدراسة بعض شركات النفط وشركات الفحم الحجري بتشكيل جماعات ضغط للتشكيك في نظريات الاحتباس الحراري وإنكارها. وتدعم هذه الشركات مجموعات فكرية للترويج للمعلومات المشككة بنظرية الاحتباس الحراري، وتنقل هذه المعلومات إلى شبكات التلفزيون والانترنت لتسويقها أمام الرأي العام والسياسيين.
يقول المنطق إن الدول الغربية، خصوصاً الأوروبية، ستبحث عن مصادر بديلة للطاقة لتقليل الانبعاثات الضارة، بعد الحرب الروسية الأوكرانية وتسببها في أزمة الطاقة والغذاء والأسمدة. غير أن الواقع، والمؤشرات التي ظهرت، ومنها استسهالها العودة إلى الفحم الحجري، تقول العكس، وتؤكد أن الدول الغربية احترقت وعطشت، ومع ذلك فإن مصالحها الآنية، ومصالح رؤوس الأموال التي تسيطر على اقتصاداتها وتوجهها حسب تلك المصالح، ستمضي في إنكار التغيُّر المناخي، ولن تقر به أو تعمل على الحد منه، على الرغم من الجوع الذي يمكن أن يجعلها تنتحب، والفحم الذي يمكن أن يردّها إلى الحجر الأول.
هل يقلع الغرب عن إنكار التغيُّر المناخي؟
تتعمَّد دول غربية كثيرة التغافل عن المخاطر التي يفرضها التغيير المناخي، بسبب إنكارٍ حكوماتها هذا التغيُّر، متأثرة بتقارير تتحدث عن عدم صحة ظاهرة التغيُّر المناخي، ومدفوعة بتأمين مصالحها المباشرة، بغض النظر عن تأثير ذلك على المناخ، وهو ما تأكد مع عودة بعض الدول إلى استثمار الفحم الحجري بعد تقليل روسيا إمدادات الطاقة عن أوروبا.
# موسومة تحت :
- العدد رقم: 410