سنة خامسة على الغياب

يقول الشاعر محمود درويش في جداريته: يكسرني الغياب كجرة ماء صغيرة.

ما أصدقه قول الشاعر، ولكنه الغياب يفتتني فلا شيء يلمني.

في الموت المقيم لا نتذكر نحن نعيش، نعيش الموت كل وقت نترافق مع موتنا وموتانا.

الجميع يعرف كمال البقاعي، الصديق والرفيق والعدو يعرفونه جيداً وربما أكثر مني أنا، المرأة التي شاركته حياةً كاملةً، بحلوها ومرها.

الرجل الذي ترك أثراً في نفس عارفيه، وحفر له مكاناً في تاريخ المقاومة الوطنية وصراعها مع العدو التاريخي لبلدان وشعوب منطقتنا.

المقاومة التي جسدها كمال ورفاقه كانت من أجل الحياة لا الموت.

حياة حرة وكريمة لجميع ابنائه بدون تمييز، على عكس ما يمارس اليوم بأبشع صورة، إنها إبادة جماعية لشعب قاوم وظفر بنصر تحرير الأرض وخسر معركة تحرير الإنسان. الإنسان يئن ويتالم هذه الأيام بأقسى صورة.

إذن ما عاد كمال البقاعي وجهنا السريّ، وإنما ما ينبغي ان يكون عليه وجهنا اليوم، وجه المقاومة ضد مسطري أكبر جريمة في حق الإنسانية وإنتهاك كرامة الشعب اللبناني وحقه في العيش، نعم نحن نواجه الموت لنمت مفعمين بالكرامة بدل ان ننفق كالدواب في طوابير الذل والإنتظار .

هل الموت هو الغياب التام؟ أحيانا أسال نفسي عن سر الحضور الوهاج لشخص خطفه المرض اللعين كما كان يحلو له أن يسميه.

هل الروح موجودة؟ أم هو صدى الفعل القوي في الحياة يتردد في جنبات الوجود؟

ما هو الوجود وما هو الغياب؟ أسئلة الكون الأولى والأخيرة بلا جواب.

ما اعرفه تماماً، وما يعرفه رفاقك الكثر اننا بحاجة إلى قائد من طينتك يزهد بكل الأشياء المادية عن نفسه ويمنحها للمحتاجين من حوله، رفاق، إخوة وأبناء.

كريم النفس عفيفها كنت يا رفيق دربي وحياتي، وما مددت يدك لمخلوق فكانت النتيجة ان إلتف حولك الجميع بقوة الحب.

أذكر اليوم بفخر وإعتزاز كيف رفضت تسلم مبلغ من المال كان الزملاء في الوزارة قد جمعوه فيما بينهم لمساعدتك في تحمل تكاليف العلاج الباهظة الثمن، وسط دهشة الزميلة وداد مهنا وانا وانت والكل يعلم قسوة الظروف الصعبة.

انظر بألم كبير للمعتصمين المصابين بالسرطان ولا يستطيعون الحصول على الدواء بسبب المحتكر الجشع والدولة الفاسدة، لقد وقفت طويلاً مع هؤلاء في الكرنتينا لكي أحصل على علبة ثمنها يوازي ضعفي راتبي الشهري.

في ذلك الوقت كانت مأساتنا الشخصية التي لم يعلم بهاغير المقربين، اليوم هي ماساة عامة، أزمة وطن يحتضر.

ولكنها الحياة تكمل طريقها، بعد كل موت لا بد من قيامة، فكيف يقوم هذا الوطن من وسط هذا الخراب؟

أبحث ونبحث داىما عن الأجوبة، لا نفتقدك لأنك لم تغادرنا ولكنه الشوق يزداد للرؤية، ما أحوجنا اليوم لك قائداً مناضلاً لا يلين، كمال يوسف البقاعي