ليندا مطر .. أيقونة النضال الوطني الصادق !
ليس غيابها العين الدامعة الحزينة، بل هي النظرة الصافية التي تتوخى الأمل،وتنشد بهجة الحياة،مهما كانت الصِّعاب والمشقّات.
كيف يمكنني الكلام أو الكتابة عن موت إمرأة ذهبية الروح اسمها ليندا مطر؟
من يريد الدخول في عالم ليندا مطر الانساني والنضالي – والفارق بينهما مستحيل – يحار من أين يبدأ وكيف: فالمرأة التي نتحدث عنها اليوم، والتي شغلت الاعلام اللبناني لسنوات طويلة، لا يمكن حصرها في صورة واحدة موحّدة.
فهي في آن واحد الابنة الصالحة التي خدمت أمها حتى الرمق الأخير، وهي الأم والزوجة المحبة، وهي، كذلك، الثائرة على التقاليد والأنماط وحاملة راية تحرر المرأة... ولا ننسى فيها صورة المناضلة مع أبناء شعبها، الفقراء منهم على وجه الخصوص، من أجل التحرر الاجتماعي وبناء لبنان الديمقراطي العلماني الذي يعتمد الاشتراكية طريقا للتطور والتقدّم.
عرفتها منذ سنين طويلة، في بداية مسيرتي النضالية من أجل الانسان، يوم كنت لا أزال طالبة في الجامعة، وتطورت معرفتنا، رغم فارق العمر، إلى صداقة عميقة لم يؤثّر فيها الزمن المتغيّر والمغيّر، كما لم تفقدها الاختلافات في الرأي، أحيانا، ولو ذرّة من بريقها.
كيف يمكنني، في هذه العجالة، أن أوصّف تلك الانسانة، وأن أتحدث عن تاريخها ودورها وموقعها في الأحداث الكبيرة التي عصفت بلبنان والمنطقة، والعالم، خلال السنوات الخمسين الماضية؟ بل، هل يمكنني أن أحيط بكل ما قامت به من مهام في تلك الحقبة وما اتخذته من مواقف في القضايا المختلفة والمتداخلة، بدءا بحق التعلّم والانتخاب والترشح للبنانيات ومرورا بكل النضالات التي خاضتها الطبقة العاملة اللبنانية قبل الحرب الأهلية وبعدها، ووصولا إلى قضايا تحرر الشعوب، من الجزائر وفلسطين إلى فيتنام وكوبا؟ لذا، سأحاول التوقف عند بعض الجوانب من تلك الشخصية المميّزة، لعلّي بذلك أساهم في توضيح لماذا اختارتها الصحافة النسائية الدولية واحدة من بين مئة امرأة هزّت العالم.
من يقرأ كتاب "محطات من سيرة حياتي" لا بد وأن يتوقف عند الشخصية القوية التي تميزت بها ليندا مطر مطر منذ الطفولة. فاضطرارها إلى ترك المدرسة الابتدائية في سن الثانية عشرة والتحاقها بعالم العمل شكّلا حافزا لها على مواجهة صعوبات الحياة، لا بل على الانتصار في تلك المواجهة غير المتكافئة. تقول ليندا :"بعض زميلاتي انتقلن إلى مدارس أخرى، وأنا انتقلت بدوري إلى معمل للكلسات ومن ثم إلى معمل للحرير. لكني قررت أن أتابع تعليمي في إحدى المدارس الليلية التي كانت منتشرة في حينه".
وباعتقادي أن هذه المرحلة من حياتها أثّرت كثيرا على تحديد بعض من أولوياتها، فعمدت، في أوائل سبعينيات القرن العشرين، وبعد أن تسلّمت قيادة لجنة حقوق المرأة اللبنانية، إلى الاتصال بي وببعض الرفيقات الأخريات، طالبة إلينا العمل على إطلاق مدرسة لمحو المية بين النساء. فكان لها ما أرادت، وبدأنا دورات التعليم، ليس فقط في مركز اللجنة في الشياح، بل كذلك في عدد من مناطق بيروت، وبالتحديد في حي اللجا، في منطقة الصيطبة. هذا، إلى جانب مساهمتها ورفيقاتها الشيوعيات في العديد من التحركات والتظاهرات من أجل بناء المدارس الرسمية، خاصة المدارس المخصصة للفتيات، وتطوير كليات الجامعة اللبنانية، ودعم حركة المعلمين في التحركات والاضرابات التي خاضتها دفاعا عن التعليم الرسمي الوطني.
وإذا ما نظرنا إلى تاريخ ليندا الحافل بالنضال والمواجهات، لرأينا في كل جانب منه تلك الفتاة الصغيرة التي اضطرت إلى ترك المدرسة لتعمل والتي، منذ ذلك الحين، لم تهدأ ولم تتوقّف عن النضال من أجل تغيير هذا الواقع عبر وضع الأسس الصلبة لبناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة بين أبناء البشر، وبالتحديد بين المرأة والرجل.
وانطلاقا من هذا الوعي الفكري، وبناء عليه، أسست ليندا لكل مفاصل حياتها النضالية. فهي لم تكتف بأن تكون رئيسة للجنة حقوق المرأة اللبنانية (وإن كانت اللجنة شغلها الأول والأساس) فقط، أو رئيسة المجلس النسائي اللبناني ومطلقة شعار "حق الكوتا (الحصة) النسائية" في مجلس النواب، بما يعزز دور ومشاركة المرأة اللبنانية في مراكز صنع القرار. وهي لم تكتف كذلك بأن تكون المؤسسة "للقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة" أو عضو قيادة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي عبر مسؤوليتها عن المركز الاقليمي العربي للاتحاد؛ بل إنها انطلقت إلى العمل السياسي، من خلال ترشحها مرتين إلى الندوة النيابية، وكذلك إلى المساهمة في القضايا الكبرى للشعوب العربية، وأولها قضية فلسطسن. غير أن أهم ما قامت به كان من دون أدنى شك مساهمتها في تنظيم العمل المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني لوطننا، خاصة إبان مواجهة العدوان الذي شنّه الصهاينة العام 1982.
وفي هذا الجانب الأخير، كان لها دور في اتخاذ قرار إطلاق ج م و ل في ذلك الاجتماع التاريخي الذي عقدته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني وسط حصار بيروت ورغم حمم القذائف المنهمرة على كل شبر من العاصمة؛ كما كان لها كذلك دور مهم في الاعداد لبعض الانجازات التي تحققت وفي التحركات التي نظمت داخل لبنان وعلى الصعيد العالمي، والتي استعادتها إبان العدوان الصهيوني في العام 2006 والمظاهرة التي نظّمها حزبنا ضد كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، وزيارتها إلى لبنان.
المرأة والوطن والانسان: أقانيم ثلاثة شكّلا على الدوام الهاجس والمرجع.
لذا أعطت ليندا لهذه الأقانيم مكان الصدارة في حياتها، مؤكدة عليها في كتاب تلك الحياة بقولها : "من الطبيعي أن تكون علاقة الانسان راسخة ببقعة الأرض التي تنفّس هواءها، وتغذّى من سخاء تربتها، وارتوى من ينابيع مائها، وأن يرتبط بها – كبيرة كانت أم صغيرة، وأن يدافع عنها. هذه الأرض هي الوطن، وهذا الانسان هو المواطن. وهذه العلاقة، إضافة إلى كونها طبيعية، هي أيضا من أولى الواجبات".
* نائبة الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني
رئيسة جمعية مساواة – وردة بطرس للعمل النسائي
ليس غيابها العين الدامعة الحزينة، بل هي النظرة الصافية التي تتوخى الأمل،وتنشد بهجة الحياة،مهما كانت الصِّعاب والمشقّات.
كيف يمكنني الكلام أو الكتابة عن موت إمرأة ذهبية الروح اسمها ليندا مطر؟
المرة الأولى التي تناهى إلى مسمعي إسم المناضلة ليندا مطر كانت عن طريق أمي.
وأمي لمن لا يعرف كانت مناضلة في صفوف النساء المنضويات في عضوية لجنة حقوق المرأة اللبنانية، لذلك لا أظنني سوف أكتب عن إحداهن دون ذكر الأخرى.
كما كانت ليندا مطر إمرأة مؤثرة في حياة الكثيرات فقد كان لهؤلاء النساء تأثيرهن في صلب حياة هذه المرأة القائدة والرائدة بهدوء لافت للإنتباه.