التعليم الجامعي: للأغنياء فقط!


يمر القطاع التعليمي في لبنان بأزمة ربما هي الأخطر في التاريخ الحديث وليس إنتشار فيروس كورونا هو السبب الرئيسي لها كما تحاول بعض قوى السلطة تصويرها. فبمعزل عن كورونا يواجه الآلاف من طلاب لبنان في كافة المراحل خطر التسرّب الدراسي بالاخصّ في المرحلتين الثانوية والجامعية. في تقريرينا هذا، سنتحدث بشكل أساسي عن الجامعات وسنتطرق للمدارس في مقالات أخرى.


لعقودٍ خلت، لم تعر السلطة السياسية أي إهتمام لملف التعليم الرسمي وبالأخصّ الجامعة الوطنية، فبدل توسيع قدراتها الكمية والنوعية عبر تأهيلها لإستقبال العدد الأكبر من طلاب لبنان من خلال بناء تجمعات جامعية كبيرة وتأمين نقل للطلاب وتوسيع اختصاصاتها وتحديثها، كانت هذه السلطة تبني "دكاكينها" من الجامعات الخاصة ذات الصبغة الطائفية والتي توزع المنح الجامعية بعد تقبيل يدّ الزعيم وكسب الرضى، وذلك بهدف واحد وواضح هو خلق العلاقة الزبائنية بين الحزب الطائفي وإبن الطائفة منذ اللحظة التي يفكر فيها إكمال تعليمه، ليصبح الزعيم صاحب الفضل في تعليمه.
وهذه الأسباب نفسها التي أدرجناها في الأعلى تنطبق وتتوسع أكثر لتشكّل نهج هذه السلطة السياسية المتعاقبة على الحكم في البلاد منذ الطائف بحدها الأدنى مع كافة القطاعات التي تضمن بعض التقديمات الإجتماعية للناس. وعلى هذا النحو، تمّ تدمير أي شبكة للأمان الإجتماعي من الممكن أن تنقذ الناس في أي أزمة بالإضافة إلى التعاطي مع المسائل الإقتصادية بالطريقة التي تضمن مصالح أصحاب المصارف وكبار المتمولين وهم بأغلبهم من ممولي الأحزاب الطائفية. فدخلنا أيضاً في الأزمة الإقتصادية التي نشهدها اليوم وعند الأزمات وكالعادة يتنصّل القطاع الخاص وهنا نقصد الجامعات الخاصة من مسؤوليتها تجاه المواطنين أي الطلاب وتبدأ الحديث عن تغيير سعر الصرف لديها وبالتالي زيادة أقساطها لضعفين أو ثلاث أضعاف بالتوازي مع فقدان أغلبية الطلاب وأهاليهم لوظائفهم أو تخفيض معاشاتهم وبالتالي سيبقى في الجامعات الخاصة الأغنياء جداً وبعض من وصلوا لأخر سنين دراستهم، فهؤلاء ربما سيبيعون أراضيهم أو مقتنياتهم الخاصة للحصول على شهادة تخوّلهم الهجرة الى خارج البلاد.
بعد هذا العرض لسبب الأزمة، نصل اليوم للنتيجة الحتمية لهذا الفساد لا بل أكثر من فساد لهذه الجريمة بحق طلابنا الحاليين والقادمين. هذه النتيجة نشاهدها من خلال ما وصلنا إليه، الألاف من الطلاب هذه السنة يستعدون للدخول الجامعة في العام الدراسي القادم. انّ هذه الاعداد الكبيرة ناجمة عن الإفادات بحيث نجح جميع طلاب البكالوريا القسم الثاني، ممّا سيسبّب ضغطاً اضافياً للقدرة الاستيعابية للجامعة اللبنانية اذا ما قرّر قسم كبير منهم التسجيل في كلياتها. بالاضافة الى هؤلاء، هناك قسم كبير من الطلاب يودون الإنتقال من الجامعات الخاصة إلى الجامعة اللبنانية نظراً لعدم قدرتهم على تسديد أقساط جامعاتهم، وبالتالي سنواجه مشكلة في قدرة الجامعة اللبنانية على إستيعاب هذا الكمّ الكبير المتوقع في ظلّ محدودية المباني ومحدودية الأساتذة المتفرغين وحتى المتعاقدين، وسيخرج علينا بالطبع من سيتبجّح من أزلام سلطة الطوائف بأننا بحاجة للجامعات الخاصة لإستيعاب عدد الطلاب، وبالتالي علينا دعم الجامعات الخاصة من أموال الدولة وسيتحجج بضرورة المرحلة ومصلحة الطلاب وغيرها من العبارات الرنانة الفارغة التي لا تعني إلا شيئاً وحداً: مزيداً من تحويلنا لمجتمع متسوّل يشحذ منحةً من الزعيم أو أحد وكلائه في المناطق.
لم نكتب هذا الكلام لنقول أنّ لا حل في الافق، ولكن ينبغي علينا أولاً أن نحدّد المشكلة. نحن في قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني لدينا الكثير من الحلول التي طرحناها في مناسبات مختلفة. بالنسبة للجامعات الخاصة، فلتسترّد أموالها من المصارف لتأمين مصاريفها، أمّا تلك الجامعات التي حققّت أرباحاً خيالية لعشرات السنين فلا يحقّ لها التذّمر في وقت الأزمة. بالنسبة للقطاع الرسمي، فلتتحمّل الدولة مسؤوليتها تجاه طلابها ولتضع يدها على كل جامعة خاصة تتعثّر أو تهدّد بالإقفال فبالأموال التي ستدعم بها الجامعات الخاصة وبمباني الجامعات الخاصة المتعثرة يمكننا إستقدام المزيد من الأساتذة وحل أزمة القدرة الإستيعابية للجامعة الوطنية وفتح المجال لأكبر عدد ممكمن من الطلاب لتحصيل تعليمها. بالإضافة إلى هذه الحلول الانية فلقد طرحنا منذ سنوات عدّة انشاء المجمعات الجامعية مع ضرورة تطوير المناهج التعليمية وإدخال المكننة عليها وهذا كان قد وفّر علينا كل المعاناة التي تسببت بها جائحة كورونا. الحلول موجودة ولكن لا حياة لمن تنادي.
إنّ معركتنا اليوم هي معركة إنقاذ مجتمعنا من التسرّب الدراسي لأن مستقبلنا هو مستقبل طلابنا. هي معركة بوجه تجهيل شبابنا. هي معركة وعينا بوجه جهلهم. هي معركة حقّ فقراء مجتمعنا بالحصول على مقعد دراسي ووعدنا لأهلنا بأننا لن نسمح بأن يعود التعليم في وطننا إمتياز طبقي. لن نسمح لارباب الطغمة المالية في هذا البلد بأن يكرّروا مقولة أحمد الاسعد الشهيرة " لشو المدارس بالجنوب اذا كامل عم يتعلم". هذا العهد إنتهى ولن يعود مهما حاولوا.