مشروع سدّ بسري واجه انتقادات واسعة بعد إقراره في مجلس النواب قبل خمس سنوات وجرى الطعن به أمام مجلس شورى الدولة الذي لم يبت به حتى اليوم. توقف العمل به في أيلول 2019 بعد انقضاء مدة شهر على البدء بالحفر وشق الطرقات وقطع الأشجار إثر حملة واسعة من قبل أهالي المنطقة الذي سيقام عليها المشروع والبلديات والجمعيات الأهلية الذين يرون في المشروع انه سيقضي على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية والحرجية والأثرية، إضافةً الى التكلفة الباهظة له والبالغة نحو مليار دولار والتي تحوم حولها شبهات فساد.
وكان قد وقع سجال حاد خلال انعقاد جلسة للجان النيابية المشتركة في 23 تموز بين للكتل النيابية المؤيدة للمشروع (بعضها كان معارض وبعضها الاخر في موقف اللاموقف الا أنّ مغيّر الأحوال يكمن دوماً في الحصص والصفقات وتوزيع المغانم). الكتل النيابية هذه تعتبر السدّ مشروعاً حيوياً يفيد شريحة واسعة من سكان العاصمة بيروت الذين يعانون الشحّ في المياه. الاّ أن هذه النظرية كان قد دحضها منسّق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري، رولان نصور، حين ردّ على نائب كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار مشيراً الى ان معدل تصريف نهر بسري سنويا لا يتجاوز 82 مليون م3 وإِنَّ هذا الرقم يتضآل مع الوقت مما يظهر استحالة ان يخزّن السدّ 125 مليون م3 أو يؤمن 100 مليون للضاحية هذا مع التغاضي عن معدل التبخّر والتسرّب والتصريف البيئي. وهناك من يعارض المشروع على خلفية بيئية نظراً لآثاره البيئية المدمرّة للطبيعة ويشتم منه رائحة الصفقة. الى جانب ذلك كان مقرراً ان تستمع لجنة البيئة النيابية الى وزير البيئة دميانوس قطّار للدراسة المتعلقة بالأثر البيئي للمشروع الى أن إرجاء جلسات اللجان النيابية منذ أسبوعين بسبب جائحة كورونا أجّل الامر، وزاد الطين بلّة أنّ الحكومة استقالت في ١٠ آب.
الملفت بالأمر أنّ حكومة حسّان دياب كانت قد أقرّت في نيسان المنصرم متابعة السير بتنفيذ مشروع سدّ بسري بحسب القرارات الحكومية والمراسيم والقوانين المقررة سابقا، وعادت لاحقا وطالبت بتمديد المهلة ثلاثة أشهر إضافية عن تاريخ 22 تموز الماضي لاستئناف الأعمال لعدم خسارة القرض من البنك الدولي ووافق البنك على إعطاء مهلة إضافية لن تزيد على أربعة الى ستة أسابيع، على أن يجرى حوار مع المعارضين للمشروع والبحث في الشروط التقنية والايكولوجية له.
وفي هذا السياق، يرى رئيس الحركة البيئية اللبنانية بول ابي راشد، في حوار أجرته معه جريدة «الأنباء» الكويتية ان المشروع لن يمرّ ليس فقط لأن تكلفته باهظة في ظل الوضع المالي والاقتصادي المتأزم، بل لأن هناك جبهة واسعة تقف في وجه اقامته لعدم جدواه ويحتاج الى سنوات طويلة لإنجازه في وقت يمكن تأمين المياه من مصادر قريبة لبيروت، وهو يشكل خطرا في منطقة تقع على فالق زلزالي وفي منطقة مصنفة مواقع طبيعية محمية، أضف الى انه يقضي على التنوع البيولوجي في تلك المنطقة التي تعتبر ثاني أهم استراحة للطيور المهاجرة في لبنان، كما انه يساهم في تغيير المناخ بفعل قطع مئات آلاف الأشجار، كما أن مرج بسري يعتبر السهل الزراعي الوحيد في جبل لبنان ويهدّد عشرات المواقع الأثرية التي تعود لفترات تاريخية. ويشير أبي راشد الى أن تجربة السدود في لبنان لم تكن ناجحة حتى اليوم، في حين ان البدائل لتأمين المياه متوافرة وبكلفة أقل كالاستفادة من المياه الجوفية التي تصل الى 53% من إجمالي المتساقطات وتحديث نبع جعيتا لتأمين مياه إضافية لبيروت الكبرى. وأوضح أبي راشد أنّ البنك الدولي نصح بإجراء حوار مع الرأي العام قبل الرابع من أيلول وإلا فإنه سيحوّل التمويل الى مشاريع تتعلق بالاقتصاد وأزمة كورونا، ولفت إلى أن الأساس هو دراسة الأثر البيئي التي وضعها مجلس الانماء والأعمار عام 2014 والتي انتهت في العام 2016 والتي يفرض القانون تجديدها.
مؤخراً دخل النقاش حول السدّ بازار السياسة من الباب العريض. اختلفت مقاربات الكتل السياسية للمشروع وكيفية تقديم الحجج لأنصارهم للقبول به. على سبيل المثال، رأت كتلة المستقبل أنّ السد يؤمّن المياه للبيارتة، وفي هذا تغاضي واضح عن الحقائق العلمية التي تفيد بأنّ السد لن يؤمن المياه لأهلنا في بيروت وضواحيها. أمّا كتلة الوفاء للمقاومة فكانت أن أصدرت بياناً نقتبس منه التالي: " نعلن بوضوح اننا لن نسمح بأن يعطش شعبنا وتزداد ويلاته التي لا تعد، كما سنرفض بشدّة هذا الحصار المائي الجديد على أهلنا وسوف لن نرضى به مهمّا كلّف الامر. وهنا المغزى من ايراد عبارة " حصار مائي " هو محاولة القول إن من يساهم في رفض المشروع هو مساهم في حصار يفرض على الشعب اللبناني ملمحّا الى أن هذا الحصار هو تتمة للحصار المالي- الاقتصادي المفروض من قبل الإدارة الاميركية.
اذاً، هل سيستطيع الشعب الوقوف في وجه المحاصصات في بلدنا؟ هل ستبقى بيئتنا ومصلحة وطننا مستباحة من قبل تجار الوطن؟ بسري لن يكون قضية هرج ومرج، بل مرجٌ في وجه السد.