تردُ الفكرة ذاتها في قصة كنفاني على لسان طفل من المخيم مخاطباً المواطن إبن البلد صاحب المنصب السياسي والاجتماعي: “لقد حاولتم تذويبي يا سيدي!". ولكن الطفل يحاول بعدها وبسخرية كنفانية لاذعة، الدفاع عن المخيم وإقناع السيّد أن وجود المخيم وفيه اللاجئون، يعود، بحال من الأحوال، بالنفع على دولته، وبالتالي ليس من مصلحتهم دفن المخيم أو محوه: "... إنهم أولاً قيمة سياحية، فكلّ زائر يجب أن يذهب إلى المخيمات، وعلى اللاجئين أن يقفوا بالصف وأن يطْلوا وجوههم بكلّ الأسى الممكن، زيادة عن الأصل؛ فيمر عليهم السائح و يلتقط الصور، ويحزن قليلاً... ثم يذهب إلى بلده ويقول: زوروا مخيمات الفلسطينيين قبل أن ينقرضوا..."
بتعبير أوضح: لا خطر فعلياً من اللاجئين ما داموا لاجئين. ولو اقتصرت قضيتهم على المشكلات الإقتصادية والإجتماعية التي تُطرَح، لَكان حَلُّها سهلاً وممكناً، في حدود الوضع السياسي القائم؛ أي بلا أي تغيير سياسي. ومهما تعدَّدَت هذه المشكلات أو تعقَّدَت، فإنَّ حَلَّها يبقى سهلاً وممكناً، لأن انحصار القضية الفلسطينية فيها، من حيث هي مشكلات اقتصادية اجتماعية، هو هو الحل القائم على إلغاء القضية الفلسطينية، في انحصارها في قضايا لاجئين. وهذا هو، بالفعل، «الحلّ» الذي تطمح إليه الرجعية العربية، والصهيونية والإمبريالية. لكن الواقع المادي التاريخي عنيد، ولا يمكن إلغاؤه بمجرّد الرغبة في إلغائه. وهنا يكمن الخطر: في حركة تاريخية يستحيل فيها اللاجئون شعباً له قضية يلتحم بها في نضاله من أجلها. في تحوّل الشعب الفلسطيني إلى شعبٍ مقاتل.“
هذا ما يؤكدُّه، بعد شيحا، إيديولوجيو البورجوازية اللبنانية الرجعية، كانوا يريدون للّاجئين أن يظلّوا لاجئين. فلمّا استحال اللاجئون شعباً مقاتلاً، تَفَجَّر حقدهم العنصري ضِدَّهُم في أبشع مظاهره، ووجدوا «الحلّ» في صهينة لبنان.
تُسخِّر الدولة اللبنانية كلَّ مؤسساتها للحيلولة دون تجذُّر الفكر الثوري فيحيل ثورة هدّامة تُخرج الممكن من القائم. فتلجأ إلى الإحتراب الأهلي لقطع الطريق على التغيير. بل يمكن القول، بالثورات يحاول المجتمع _أي الشعب_ تغيير النظام القائم، وبالحروب الأهلية يحاول النظام تغيير الشعب برده إلى جماعات أهلية متناحرة أو بإعادة إنتاجه على خطوط قسمة أخرى ليستطيع إعادة السيطرة عليه...
أما تعاملها مع اللاجئين بل قل الفلسطينيين تحديداً لما لهم من موقع تاريخي وظروف مادية ساهمت بجعلهم طرفاً أساسياً في معركة التغيير التقدّمي يكون تعاملاً خاصاً... فالفلسطينيون يمثّلون اليد العاملة "الرخصية”، أو الطلاب المهمَّشين المُثقَلين بالأعباء الإضافية في جامعاتهم أصحاب الكلمة المقموعة، ليعودوا ليواجهوا الوجه الفاشي للنظام حال دعت الحاجة، حاجة النظام بأن يدافع عن نفسه...
فتحيةٌ لمروّضي وحوشَ الفاشية الصهيونية بأرض البرتقال فلسطين، والفاشية اللبنانية بكلّ ساحاتها.!
ملاحظة: هيراكليس إبن الإله زيوس وهو أحد الأساطير اليونانية التي اُشتهرت بالشجاعة وحبّ الفنون ولا سيِّما الموسيقى... اشتهر هيراكليس بترويض الوحوش ضمن المهام ال ١٢ التي أوكلت إليه. فكان عليه أن يقتل أسداً في نيما لا يخترق جلده سيف ولا سهم ولا تفلح ضربات الهراوة، وأن يقضي على أفعى تدعى (هيدرا) لها تسع رؤوس إذا قطعت واحداً نبت إثنان. لقد شبّه الكاتب الفدائيين الفلسطينيين بالأسطورة اليونانية كونهم اليوم وبنضالهم المستمرّ يشكلّون “آلهة" تقوم بترويض وحوش أكثر فتكٍ من هيدرا... وحوش الفاشية..!
*طالب جامعي