الآن، في هذه اللحظة، انتهيْتُ من قراءة سؤالكَ الذي توجِّهه - بوصفكَ نائباً عن مولطنيك في لبنان - إلى هذه الحكومة التي تتصرّفُ بشأن لبنان وحدها في معزلٍ عن أهله، وفي معزلٍ عن بني قومه وأشقّائه، وفي معزلٍ عن حركة التاريخ السائرة بشعوب الأرض جميعاً في قافلة التطوّر والتحرّر.
وحسبُكَ أن تعلمَ من أثر سؤالكَ هذا في نفسي، بوصفي مواطناً عربياً لبنانياً، أنّني لم أستطع مغالبةَ القلم، وقد هزَزْتَه أنتَ بأريحيّة العربي يشاركُ قومه، لحماً ودماً وعاطفةً وتفكيراً، أنبل همومهم، وأعدل قضاياهُم، وأحقّ مطالبهم الإنسانية والقومية، وأكرم مطامحهم وأهدافهم من حيث هم شعبٌ في شعوب الناس، ومن حيث هم أمةٌ في أمم الشعوب.
أنتَ رجلٌ دخلتَ معركةَ فلسطين مجاهداً بزندكَ وقلبكَ ودمك، يوم كانت معركةُ النار والحديد والقتل والتشريد، وها أنتَ ذا تدخلها اليوم وهي معركةٌ سياسية لتثبيتِ "الأمر الواقع" وإخراج "المسرحية" الاستعمارية في طورها الأخير. وإذا كانت أهدافُ المعركةِ هي هي لم تتغيّر منذ دخلتَها أول مرة، فإنّ أشكالَ الصراع فيها قد تغيّرتْ ألفَ مرة، حتى انتهتْ إلى شكلها الجديد الذي ترى اليوم في ميدانكَ الجديد.
ولعلّكَ كنتَ يوم بدء المعركة كما كان غيرُكَ من مجاهديها الأحرار، ترى القضيةَ من جانبٍ واحد، وها أنتَ ذا تنزلُ إلى ميدانها هذه المرة، وقد ظهرتْ عندكَ كلُّ جوانبها، وتوضّحتْ لعينيكَ كاملةً على حقيقتها التي ابتدعوها، وعلى واقعيّتها التي صنعوها، وأنتَ تعلمُ الآن كيف ولماذا وأين ابتدعوها وصنعوها!
ما كانت المعركةُ يوماً قط، معركة الصهيونية العالمية وحدها، بل هي منذ البدء، منذ لحظةِ ولادتها، حتى اختراع الدمية "إسرائيل"، وحتى إجهاض المسخ، حلف بغداد، وحتى امتداد الأخطبوط، "مبدأ" ايزنهاور، وحتى عهد الفارس "الدونكيشوتي"، شارل مالك، في لبنان. هي منذ ذاك حتى هذه الساعة، وحتى النهاية الآتية المحتومة، معركة الاستعمار قبل كل شيء، وما الصهيونية العالمية ـ بعدُ ـ إلاّ ضرب من الاستعمار هذا، وما كانت شيئاً منفصلاً عنه قط، وليستْ هي سوى دافعٍ من دوافعه ونتيجةٍ من نتائجه في وقتٍ معاً.
وفي ميدانك الذي تنزل إليه اليوم في لبنان، وفي المجلس النيابي من لبنان بالذات، إنّما تنزلُ ساحةَ العركةِ ذاتِها التي نزلتَها يوماً في أرضِ فلسطين. ذلك لأن الاستعمارَ قد نقلَ المعركةَ إلى ميادينَ كثيرةٍ من أرض العرب، وجعلَ ميدانَه هنا، في بلدنا، مركزاً قيادياً من مراكز قياداته.
وإننا لمستبشرون بكَ أنكَ جئتَ مجاهداً هنا كما كنتَ مجاهداً هناك، وأنك جئتَ مسلّحاً بجرأتكَ وإيمانكَ اللذيْن عرفنا فيكَ من قبل، وأنكَ افتتحتَ عهدكَ الجديد في ميدانكَ الجديد بضربتكَ الأولى هذه، تقرعُ أنفَ الباطلِ المتورِّم، وتلطمُ جبينَه المتصلِّب.
إننا لَمستبشرونَ بكَ حاملاً هذا السيفَ من سيوفِ الشعبِ الذي اختاركَ، ورفعك.
مرحى، وألفَ تحية، يا معروف!
* نُشِرت في جريدة »جريدة الأخبار« (جريدة الحزب الشيوعي اللبناني يومها)، في أوائل الستينيّات، في زاوية "من لحم ودم".