وهم "إنقاذ الرأسمالية"

"إنقاذ الرأسمالية: للأكثرية و ليس للأقلية" هو عنوان كتابٍ لروبيرت رايخ، وزير العمل الأميركي في عهد الرئيس بيل كلينتون. ويظهر فيه الكاتب، باعتماده على الإحصاءات، اللامساواة الواسعة في المجتمع الأميركي، عكس الفكرة السائدة عن رفاهية الإنسان في دول المركز الإمبريالي.

القضاء على الطبقة الوسطى
يشدّد الكاتب على أن "الطبقة الوسطى تواكب فناءً أكيداً مع نمو المضاربة والاحتكار والاستثمارات الكبيرة المدعومة برأسمالٍ ضخم"، ويشير إلى أن "الثروات تذهب من أسفل القاعدة إلى أعلاها، بدلاً من أن يحصل العكس". إن هذه الطبقة تدفع الضرائب التي تفرضها الحكومة لتعود هذه الأخيرة وتقدّمها على شكل دعم إلى كبار المنتجين من الشركات الكبيرة مثل غوغل (Google) التي تحصل على دعمٍ حكومي يصل إلى ٥٠٠ مليون دولار أميركي، بينما تحصل جميع هذه الشركات على حوالي ١٠٠ مليار دولار كلّ سنة من الحكومة. وهذا الرقم أكبر من ميزانية وزارة التعليم هناك.


التعليم والصحة: نموذجان عن الاستغلال
في إحدى جولات الكاتب من إتمام كتابه يمرّ على امرأة شابة مصابة بالسرطان. إن ما يثير السخرية في الدولة الأغنى في العالم هو أن الطبقات الشعبية غير قادرة على دفع تكاليف العلاج في حال المرض. إن دخل هذه المرأة يساوي ألف دولار أميركي والعلاج الكيميائي المطلوب شهريّاً تقارب تكلفته ثلاثة آلاف دولار أميركي، أي ثلاثة أضعاف دخلها، ولا تغطي شركات التأمين الصحي والضمان الاجتماعي قيمة العلاج.
ويتحدّث الكاتب، من جهة أخرى، عن طالبة جامعية قابلها، دفعتها الظروف الاقتصادية إلى العمل في "ماكدونالدز" لتغطية نفقاتها الشخصية ولسداد القرض الطلابي للتعلم. وتشدّد الطالبة في المقابلة أن مدخولها يُصرَف فقط على الحاجات الضرورية ولا يبقى منه شيء. نمط الحياة هذا يشير إلى على العبودية التي تعيشها الطبقات الشعبية في دول المركز.


المثالية في هذه الدراسة
يرمي الكاتب المسؤولية الكاملة على عاتق ما يسميه "سوء استخدام للسلطة السياسية". و يرى أن الحل يكمن في تدخل الحكومة في السوق لفرض القيود. ويشدّد الكاتب، في الوثائقي الخاص بالكتاب، على الغضب الشعبي وعلى خوفه منه.
في الواقع، إن هذا الوضع والاحتكار الموجود في الاقتصاد الأميركي ليس إلا تطوّراً موضوعي للنظام الرأسمالي في الولايات المتحدة. و ليست السلطة السياسية والقوانين التي تقرّها (مثل القانون الذي يسمح للبنوك استخدام أموال الناس في حال افلاسها) إلا انعكاساً لمصالح الطبقة المسيطرة اقتصاديّاً في المجتمع. إن الكاتب، وخوفاً من انفجار غضب الجماهير، يحاول دعم فكرة أبدية النظام الرأسمالي وإمكانية إصلاحه. ويرى في السلطة السياسية القوة الخارقة التي تقف فوق المجتمع وتملك الحل. باختصار، ينظر الكاتب إلى الحلول بالعين الإصلاحية، غافلاً عن أن هذا الوضع المأزوم لهذا النظام الاجتماعي و الاقتصادي بات موجوداً في كلّ دول المركز نتيجة تراجعٍ لنفوذها في العالم ما يدفعها نحو زيادة الاستغلال على حساب طبقتها الشعبية.


إن الحلول الراديكالية تطرح نفسها بقوة الآن، في هذه المرحلة المأزومة للرأسمالية، نحو توزيع عادل للثروات وتغيير جذري لنظام خادم للطبقة الأكثر ثراء منذ تأسيسه.

  • العدد رقم: 363
`


ساري زين الدين