الحزب الشيوعي اللبناني: تحية لشهداء المقاومة والانتفاضة في مسيرة التحرير والتغيير

عشرون عاماً مضت على ذكرى تحرير أول أرض عربية تحت وقع ضربات المقاومة ومسيرة مشرّفة سطّرها مقاومون ابطال، بدأت منذ وجد الاحتلال الصهيوني، وانطلقت من العاصمة بيروت مع إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16 أيلول عام 1982، وتواصلت وتوسّعت وترسّخ خيارها وصولاً إلى تحقيق الانتصار والتحرير.


وفي سيرورة هذه المسيرة توحّد المقاومون واحتضنهم شعبنا المقاوم للاحتلال الصهيوني، على تعدّد أطيافهم وتنوّع قواهم السياسية، ما أعطى للمقاومة بعدها التاريخي والوطني الذي تعود جذوره العميقة إلى ثلاثينيات القرن الماضي ضد الغزوات الصهيونية لأرض فلسطين والحروب المتلاحقة للكيان الصهيوني على لبنان.
إن إنجاز التحرير كان تلك الثمرة التي تعمّدت بدماء الشهداء وتضحيات الجرحى والأسرى وعموم الشعب اللبناني، الذي واكب وانخرط وحمى ذلك المسار. فتحية إلى كل الذين وهبوا الدم والعرق والتعب، من رجال ونساء، مناضلين ومناضلات على طريق المقاومة والتحرير ومن كل القوى التي شاركت في حمل رايتها حتى استكمال تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبلدة الغجر.
ويأتي العيد هذا العام في ظل انهيار سياسي واقتصادي ونقدي شامل يهدّد لبنان جراء أزمة نظامه السياسي الطائفي واقتصاده الرأسمالي الريعي التي تهدّد بالإطاحة بإنجازات التحرير وتضحيات المقاومين.
سنوات وسنوات والحزب الشيوعي يحذّر ويواجه هذا الخطر الداخلي بكل الإمكانات المتاحة لديه، للحؤول دون وصول البلد إلى ما وصل إليه من انهيار وخراب. وقد آن أوان محاسبة المنظومة الحاكمة وقواها السياسية التي تتحمّل مسؤولية هذا الخراب العظيم والتي، بدل إقرارها بالفشل وبضرورة تسليم السلطة، لا تزال تتمسك بنظامها البائس وبدولة المحاصصة الزبائنية، وتلجأ إلى المزيد من ممارسات القمع والاعتداء على ثوار الانتفاضة، وضرب الحريات العامة.
الفقر يزداد والأسعار ترتفع والبطالة تتفشى والجوع يدق الأبواب وشبح الهجرة شبه الجماعية يلوح في الأفق، والآتي سيكون أعظم مع إصرار الحكم على رهن السيادة الوطنية لصندوق النقد الدولي، ومقايضة المفاوضات معه كبديل فعلي للإصلاحات البنيوية الداخلية المطلوبة في السياسة والاقتصاد. ونحن ندرك أن نتائج هذه المفاوضات معروفة مسبقاً، ونحن نحذر من تقديم أي تنازلات سياسية تفرّط بإنجازات التحرير، ومن تحميل الشعب اللبناني وزر ما سبق أن ارتكبته سلطته من نهب للمال العام وفساد وضرب للقطاعات المنتجة، وفي ما تنوي ارتكابه مستقبلاً من سطو على ما تبقّى من موجودات الدولة عبر مشاريع الخصخصة.
ونحن نرى أن الخطوة الأولى في تكوين البديل تتمثّل في المحاسبة، أي في إجراء تغيير سياسي جذري في قواعد التمثيل وفي بنية السلطة. فالمقاومون الأبطال الذين طردوا المحتلّ الإسرائيلي لم يقدّموا دماءهم الذكية كي تعود السلطة المتنفّذة إلى وضع لبنان بأكمله تحت الوصاية الدولية والأميركية.
إنّ مشروعنا المقاوم هو مشروع سياسي يحمل قضية التحرر الوطني والاجتماعي، من أجل قيام دولة وطنية علمانية ديمقراطية ومقاومة، دولة قادرة على خوض المواجهة السياسية والاقتصادية والعسكرية، في وجه الاحتلال وداعميه وحماته، وفي وجه الطائفية والاستغلال الطبقي في الداخل. وتبقى فرحة اللبنانيين ناقصة لأن فلسطين الواقعة على مرمى طلقة منّ حدودنا لا تزال رازحة تحت الاحتلال، فيما يواصل شعبها المقاومة ويصنع بإرادته الصلبة وحدته الوطنية الحقيقية. قضية فلسطين اليوم مطروحة على مشرحة التصفية عبر مشروع صفقة القرن التي قضت بضمّ الضفة وغور الأردن والجولان إلى الكيان الصهيوني، وسط تآمر رسمي عربي يساهم في تصفية القضية الفلسطينية ومحاصرة الشعب الفلسطيني.
إنه العيد الوافد إلى لبنان، وشعبه لا يزال على عهده في تسطير أروع الملاحم البطولية في تاريخه، عبر انتفاضة 17 أكتوبر التي تشكّل استمراراً للمقاومة ولشعارها الكبير الذي رفعته منذ انطلاقتها، أي المقاومة من أجل الإنجاز المتلازم للتحرير والتغيير. فكما تمكّن المقاومون من انجاز تحرير الأرض، فلسوف تنتصر إرادة الثوار المنتفضين في تحقيق التغيير بمواجهة المنظومة السياسية وقواها الأمنية وميليشياتها السلطوية التي تمارس الاعتداء والبلطجة والقمع بأبشع الأساليب، والتي سوف تزيد المنتفضين قوة ومناعة وإصراراً على المضي قدماً في هذه المواجهة حتى تحقيق التغيير.
وفي هذه اللحظة التاريخية، يعلن الحزب الشيوعي اللبناني العهد بالحفاظ على تضحيات ودماء المقاومين، عبر السير قدماً على خطاهم من خلال مواصلة الانتفاضة وتصعيدها لتصان الوحدة المتلازمة بين التحرير والتغيير الديمقراطي.
إنّها اللحظة التاريخية التي تستوجب من كل المنتفضين العمل معاً لتطوير وتثوير الانتفاضة، والتحلي بالإقدام وعدم التراجع، بالشجاعة وعدم التردد. إنّها اللحظة التي تستوجب طرح مشروع سياسي بديل ومشروع سلطة بديلة من خارج المنظومة السياسية، يحمله كل اليساريين والتقدميين والعلمانيين ومعهم كل المتضررين من مختلف الشرائح الاجتماعية التي أفقرها النظام وهمشّها، مشروع يختار من خلاله اللبنانيون وطناً لا مزرعة، دولة وطنية علمانية وديمقراطية، لا دولة طائفية فاشلة، ولا دويلات وفدراليات منكفئة على ذاتها. إنّها المعركة الأساس التي كانت وستبقى معركة شعبنا في التحرر الوطني بأبعاده كافّة.
عاشت المقاومة، عاشت الانتفاضة.
والمجد والخلود للشهداء الأبرار.
بيروت في 24/5/2020
المكتب السياسي