جميلٌ أن نرى إسم متحرّشٍ يُنشر بالكامل في الصحف والمجلات والمنشورات ويتصدّر نشرات الأخبار ومحركات البحث على مواقع التواصل الاجتماعي. حتما لسنا مُغرَمين باسمه، لكننا سعداء بقدرتنا على كتابته دون خوف وحذر. لماذا؟ لأن طالبة لم تكمل الثمانية عشرة ربيعاً، تجرأت على تعليق مشنقة أستاذها المتحرّش أمام الجميع، وقطعت يده التي سرحت ومرحت على أجساد الطلاب والطالبات والعاملات لأعوام دون رادع أو رقيب. جميل أن نكون جالسين في بيوتنا ننتظر مغادرة آخر قطرة أمل من أجسادنا، فتقلب بضعة شابات المعادلة، وينقذنَنا من أنفسنا.
في مطلع هذا الأسبوع، انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي قضية الأستاذ المتحرّش سامر المولوي بعد أن قامت إحدى الطالبات بوضع منشور على الفايسبوك كتبت فيه عن تحرش أستاذها بها وبصديقاتها كاتبة اسمه الكامل دون خوف ولا تردّد. المنشور نال اهتمام الرأي العام الذي انتفض ضد الأستاذ والمدير الذي تبيّن لاحقاً أنه شريك في الجريمة. يوم الإثنين، قام طلاب الثانوية بإعلان الإضراب المفتوح بانتظار طرد المدرس المتحرّش من الثانوية وتوقيفه نهائياً عن التعليم، فحسب المعلومات، طُرد سامر المولوي من عدة مدارس قبل وبنفس التهمة! سرد صغير للأحداث نكتبه بأسف على اللواتي كنَّ ضحية ذاك الجلاد، وبنشوة الإنتصار الذي حققنَه بأيديهنّ.
ما حصل ليس انتصاراً وحسب، بل بداية معركة نسوية يُنتظر منها أن تبدأ ولا تنتهي. ما قدّمنَه فتيات طرابلس لنا هو توضيح علني بأن النظام الذي ظلّ يُرهبنا ويقمعنا لسنوات ليس عصيّاً على الكسر، والإعلامُ شاهد. لقد صوّرت الكاميرات سقوط الأبوية وهالتها الفارغة أمام ثانوية في طرابلس. لا يكفي أن نكتب عمّا حدث بأسلوب سردي وحسب، لا يكفي أن يكون ما حدث قصة، ما حدث يجب أن يكون خطوة يتبعها مائة خطوة في هدم ركائز الأبوية في البلاد. لا تكتبوا عن الموضوع بأفعال ماضية، أكثروا أفعال الأمر، أسردوا ما حدث ثم حرّضوا. لا يكفي التصفيق والتهليل لما حصل، النظام على الأرض، فلنأخذ خطوة نحو إبقائه هناك، لا تُعطوه فرصة في لملمة الخسائر والنهوض.
ماذا لو استيقظنا غداً وأخذنا القرار بفضح كلّ من تجرأ علينا وعلى أجسادنا يوماً؟ ماذا لو قرّرت أنا كتابة مقالي هذا عن دكتور الجامعة الذي هدّد صديقتي بعلاماتها إن لم تمارس الجنس معه؟ ماذا لو كتبت منشوراً عن أصحاب الأيادي التي امتدت على جسدي، فالأيادي لا تتحرك من تلقاء نفسها لا بد من آمر لها. هل تتسع السجون لو قرّرت النساء الصراخ؟ لو أن التحرش جريمة فعلاً كما تقول قوانينا، لضاقت السجون بنصف من نعرف. لا تصمتنَ يا أخواتي، لقد شاهدنا بالأمس كيف وضعت الفتيات رأس النظام في التراب كالنعامة. رأينا كيف يسقط الخوف قولاً وفعلاً، رأينا كيف فرضنَ الفتيات تصديق الناجيات. رأينا الناجيات يتحدّينَ المتحرّش وحامي المتحرّش ومن يصدّقه. الفتيات علمنَنا كيف تُبنى الأوطان.
لقد أنهكنا دور المعلّقين على الصليب. لا نريد أن نُصلب نريد أن نقاتل، أن نتعلم من فتيات طرابلس اللاتي اقتلعن عين غاصب متوحّش ظنّ أنه لن يُكشف. نريد أن نبني الأوطان بلا مسامير في يدنا ولا هالة فوق رأسنا. من يتجرأ علينا سرّاُ، فلنعدمه في العلن. نحن حفيدات الساحرات اللواتي لم يحرقنَ.