خلفيتها
قبل الحقبة السوفياتية، تحملت النساء العبئ الأكبر من الواجبات المنزلية. لم يُسمح للنساء بالتصويت أو أن يشغلن منصباً حكومياً بغض النظر عن الطبقة التي ينتمين لها. كانت الأرستقراطيات هن فقط من يدرسن من بين النساء، وبالرغم من ذلك لم يكن لديهن سوى فرص محدودة للحصول على تعليم. معظم النساء الفلاحات كنّ أميات. ولكن عندما وصل البلاشفة إلى السلطة، غَيَّرَت ثلاثة ثوريات رائدات كل هذا.
ناديجدا كروبسكايا، كانت زوجة لينين وبلشفية محترمة بحقّ. كانت سكرتيرة زوجها الشخصية ومحل ثقته، فضلاً عن أنها محرّضة منذ وقت طويل على تعليم المرأة. عندما كان الزوجان -ناديجدا ولينين- المنفى الأوروبي، إلتقيا إينيسا أرماند أثناء إقامتهما في باريس.
كانت أرماند، المولودة في فرنسا، تعيش في المنفى هرباً من الاعتقال بسبب اشتراكها في التحريض والدعاية في موسكو. في تلك الفترة، أصبحت رئيسة لجنة المنظمات الأجنبية، حيث نسقت ووصلت شبكات البلاشفة في جميع أنحاء أوروبا.أتاحت لها جهودها وعملها الهام والمثمر، الفرصة للقاء لينين والإنتقال إلى “مرتبة أعلى”من المنفيين الاشتراكيين. الوقت الذي قضته مع لينين وكروبسكايا عَزَّزَ إيمانها في الاشتراكية وَمَتَّنَ علاقتها بكل منهما. في لينين، وجدت عاشقاً، وفي كروبسكايا، وجدت رفيقة وزميلة نسوية. وفي الفترة نفسها، كانت ألكسندرا كولونتاي تدفع إلى الأمام أجندتها الاشتراكية النسوية.
الإشتراكية والنسويةفي وجه الظروف المروعة التي عانت منها العاملات في المصانع، نظمت كولونتاي احتجاجات للنساء من أجل الدفاع عن حقوقهن العمالية والوقوف في وجه النظام الأبوي. نمت هذه التجمعات في الحجم والقوة، ومن أجل نضالها، قضت كولونتاي ثلاث سنوات تتفادى وتهرب من الاعتقال.
وصلت في النهاية إلى أوروبا، حيث انضمت إلى “الشتات البلشفي” في عام ١٩٠٨. واصلت نشر كتاباتها، وكتبت لاحقاً لـ «Rabonitsa » (النساء العاملات)، مجلة تطرح القضايا التي تؤثر على إشراك المرأة في القوى العاملة وبدأتا بنشرها كروبسكايا وأرماند في عام ١٩١٤. عندما تولى لينين السلطة، أصبحت كولانتاي أول إمرأة في حكومة لينين، تشغل منصب مفوض الرعاية الاجتماعية.
بالرغم من أن ذلك لم يكن من مهامها رسميًا، فقد واصلت كولونتاي الضغط من أجل إقرار تشريعات حقوق العاملات. ساعدت في صياغة عدة قوانين جعلت، بالإضافة إلى أمور أُخرى، الطلاق والإجهاض أكثر سهولة. أثناء تأدية عملها الرسمي خارج موسكو، شعرت كولونتاي بالفزع لرؤية ظروف عمل النساء ولم تتحسن للعديد من النساء بعد عهد القيصر. يداً بِيَد مع أرماند وكروبسكايا، قدمت طلباً للحزب لإضفاء الطابع الرسمي على اللجنة المكرسة لمنح الدعم الاجتماعي للنساء، حتى يتمكنوا من الإشتراك في القوى العاملة دون مواجهة عقبات. كانت هذه بداية «Zhenodtel».
بين عامي ١٩١٩ و١٩٣٠، بدأت «Zhenodtel» حملة في موسكو وفي كل أنحاء الإتحاد السوفياتي. دعت المنظمة إلى التحرر من العمل المنزلي وتمكين المرأة من الإنضمام إلى القوى العاملة. وبذلك، تعاملت مع القضايا التي هددت بعرقلة التوظيف.
كانت هيكلية المنظمة تشبه هيكلية الحزب الشيوعي. تمركزت الدعاية والإدارة العليا في موسكو، وتم توظيف الرؤساء الإقليميين والموظفين المتطوعين في الإتحاد شرقاً وغرباً حتى يتمكنوا من الإستفادة من النساء الفلاحات في جميع أنحاء البلاد. كان هناك مجالان رئيسيان في «Zhenodtel» هما التعليم والتوظيف: كان هناك فريق مسؤول عن تنوير النساء حول دورهن في المجتمع، وفريق آخر لإعدادهنّ من أجل الإنضمام إلى الآلة السوفيتية كعاملات. خدمت «Zhenotdel» كل من النسوية والشيوعية بشكل جيد. أخبرت المنظمة النساء بأنهن قواعد التغيير وأن تحريرهن الشخصي سيحول روسيا إلى مجتمع إشتراكي حقيقي. جادل لينين نفسه بأن الشيوعية الحقيقية لن تبدأ إلا عند معالجة مسألة الأعمال المنزلية وحلها. كانت ألكسندرا كولونتاي تسجل أن تقول إن العبودية المنزلية ليست قضية نسوية، لكنها قضية إشتراكية.
رد فعل عنيف
اعتبرت كولونتاي الأسرة النووية بأنها “استخدام غير فعال للعمل والغذاء والوقود” ، وقالت بأن الفصل بين الزوجة والطبخ كان بنفس أهمية الفصل بين الكنيسة والدولة. إعتبرت أن الزواج والأسر النووية أفكار عفا عليها الزمن وأن أهميتها ستتضاءل لأن الشيوعية عززت العلاقة بين الفرد والمجتمع الأوسع.
على كل حال، لم يتفق الجميع على طموحاتها في قلب الهياكل والعلاقات الأسرية. كما لم يكن دافع «Zhenodtel» لإخراج النساء من الأسر موضع ترحيب دائم. في الواقع، شعر الكثير من الناس بالتهديد.
اعتقدت نساء كثيرات في البداية أن البرنامج يهدف إلى فصل الأمهات عن أطفالهن وقاومن فكرة القضاء على بنية الأسرة النووية. في الجمهوريات والمناطق السوفياتية المحافظة دينياً، كانت النساء تعاقب بوحشية عندما يخرجن للإحتجاج والإعتراض على العادات والتقاليد.
حدث مثال على هذا القبيل في اليوم العالمي للمرأة، في ٨ اذار ١٩٢٧، في طشقند، أوزبكستان. استُهدفت النساء في جمهوريات الإتحاد السوفياتي في وسط آسيا بشكل خاص من قِبل Zhenotdel (وعلى وجه الخصوص كولونتاي). كُنّ يُعتَبَرن مضطهدات من النظام الأبوي والدين أكثر من النساء في المناطق الأُخرى. كما تم النظر إليهن كفرصة لتنمية البروليتاريا في هذه الأجزاء النائية من البلاد. كانت كولونتاي تقوم بحملات حثيثة وضخمة من أجل النساء في هذه المناطق للتخلي عن ملابسهن التقليدية، والتي تضمنت ردائاً طويلاً بدون شكل معين وحجابًا ثقيلًا يصل إلى الركبة.
مع بدء الاحتفالات بيوم المرأة العالمي، خرجت مسيرات من النساء المحجبات في الشارع كجزء من المسيرات الاحتفالية. عندما وصلن إلى مركز الصدارة، خلعت آلاف النساء حجابهن وصرخن بهتافات وتصريحات ثورية. كانت ردة الفعل فورية ووحشية. أصبحت الكثير من هؤلاء النسوة منبوذات. أو ما هو أسوأ من ذلك، تعرضن للإغتصاب والقتل على أيدي المحافظين، وتم تعليق جثثهن في القرى. تعرضت الناشطات المحليات للتهديد والقتل. عندما وصل ستالين إلى السلطة، بدأ التضييق في الحملة. وادَّعى أن تحرر المرأة قد تحقق ولذلك لم تعد هناك حاجة إلى اللجنة.
تأثيرها
تدريجياً، بحلول منتصف الثلاثينات عاد العديد من المعايير الاجتماعية والجنسانية التي تحدتها «Zhenotdel». تم ترك النساء للتعامل مع العبئ المزدوج للعمل المنزلية والعمل المأجور خارج المنزل.
على الرغم من فترة نشاطها القصيرة نسبياً، لا يمكن التقليل من شأن إنجازات «Zhenotdel» وتأثيرها. ويمكن ملاحظة جهود اللجنة في ترتيبات المعيشة وإدخال المطابخ المنزلية المشتركة، والتي تهدف إلى الحد من الأعمال المنزلية والسماح للنساء بالانضمام إلى القوى العاملة. قام «Zhenodtel» بحملات لتحسين ظروف عاملات المصانع الحوامل ورعاية الأطفال تحت إدارة الدولة.
كما نجحت اللجنة بشكل كبير في إشراك النساء كعاملات. وقد مَكَّنَت النظام من الوصول إلى النساء في المجتمعات النائية اللواتي قدَّمن عوناً كبيراً للدولة كعاملات زراعيات. في فترة نشاطها القصيرة، دفعت «Zhenodtel» بأجندة الحزب والمنابر والمنظمات السياسية والعامة نحو العديد من النساء اللواتي لم يكن لديهن في السابق سوى القليل أو لا شيء على الإطلاق. ربما يكون جزء من إرث اللجنة هو دولة من النساء، على الرغم من مسؤولياتهن المنزلية، فقد أصبحن رائدات للصناعة.
Zita Whalley – culture trip – 9 september 2018