_ ما هو الانتحار وما هي أسبابه وكيف نعالج هذه الظاهرة الخطيرة؟
بعد العام 2019 ارتفعت معدلات محاولات الانتحار والانتحار المنفذ فعليا مقارنةُ بالاعوام السابقة، واللافت المتغير هو في خصائص الأشخاص بالنسبة للفئات العمرية والجندرية فضلا عن الزيادة العددية، فمقارنة الفصلين الأولين للعام 2022 و 2023 تظهر عشرة حوادث انتحار زيادة؛ فالإنتحار بحسب الخبيرة في مجال الحماية الأسرية الاستاذة رنا غنوي، هو أن شخصا ما قرر أن ينهي حياته، بشكل واعي او غير واعي تحت تأثير سلوكيات مقرونة باضطرابات ذهنية او عصبية مترافقة. وهذا يسمى القتل الذاتي. ومع ذلك فان الذين قرروا الانتحار بشكل ذاتي طبعت قرارتهم بالسرعة جراء حدث ما وهذا ينسحب خصوصا على النساء اللواتي يتعرضن لظروف معينة كالهرب من جرائم" شرف " واحتمال تعرضهم للقتل لان البعض لا زال يرتكب هذه الجريمة لأسباب مختلفة، وايضا بسبب ازمة مادية لم يجد حلا لها، وايضا بسبب اكتئاب شديد وتدهور الحالة النفسية، وتلقي السيدة غنوي جزءًا من المسؤولية على دور الاعلام بسبب طريقة تناوله خبر الانتحار من دون الالتفات للسؤال الذي يفرضه الانتحار وهو ماذا يجب أن نعمل لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة.
الدكتورة مي جبران استاذة علم النفس العيادي/ معالجة نفسية تؤكد أن الانتحار هو قتل الذات لاسباب نفسية مهمة، فليس هناك انتحار فجائي، "فمن خلال معالجتي لأشخاص حاولوا الانتحار على مدي ثلاثين سنة تبين أن المحيطين بحالة معينة يعرفون أمور ظاهرية وتغيب عنهم، في معظم الاحيان، الأسباب الحقيقية التي تدفع البعض للانتحار؛ فاذا ما دخلنا في حياة هذا الشخص أو هذه الشخصية او في حياته النفسية والعقلية أو أي مرض اصابه، نجد ان هذه الظروف مجتمعة تشكل الاستعدادات النفسية والعقلية لهكذا قرار.
لقد تبين، تضيف جبران، غالبُا، أن المنتحرين أو محاولي الانتحار هم الذين يصيبهم الاكتئاب ويعيشون حالات قلق قوية واحباط، أو يعانون من انفصام في شخصياتهم، أو مرضى الصرع، أو حتى مصابون بأمراض مستعصية فقدوا امل النجاة منها، أو يعجزون عن اعالة عوائلهم، أو تعرضوا لخيانات زوجية وتفكك أسري، أو صدمات دماغية، وصدمات في طفولتهم كتعرضهم للتحرش والاغتصاب فحملوا معهم وزرها وتبعاتها برغم وصولهم إلى اعمار متقدمة، فضلا عن الإدمان على المخدرات والمشروبات الكحولية.
إن الواقع الاقتصادي والمالي هو الذي نقل الناس من حال إلى حال والتفكك الأسري والهجرة والحرمان من الأولاد والابتعاد عن الاهل، كلها عوامل تولد لدى البعض رغبة للخلاص من الحياة.
هناك خاصية لافتة يجب الانتباه لها وهي أن اغلب المنتحرين هم من الذكور الذين لديهم ميول عنف بعكس النساء اللواتي يعطين الحياة ويخلقن الانسان وتولُدن لذلك يصعب عليها قتل الذات بحسب د جبران، بينما ترى غنوي أن الرجال ميالون اكثر للقرار الأجرأ بحكم خصائهم البيولوجية.
انواع القتل:
اما انواع القتل فهي، بحسب د جبران، متعددة بينها استخدام الرصاص لمن تقوى غريزة العنف لديه فيما يذهب المسالمون للعقاقير متوقعين النجاة من الموت وآخرين يسقطون من مرتفعات وكل هذه الأنواع من الانتحار حصلت في لبنان.
ماذا في الارقام؟
النداء أقامت مقارنة عددية لأشهر الثلاثة الأول من سنتي 2022 و 2023 ، لمن ماتوا بطريقة غير طبيعية والذين يصنفون في خانة حوادث الانتحار بناءً على إحصائيات رسمية صادرة عن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي فتبين ما يلي:
1_ العدد: لقد سقط في كانون الثاني 8 أشخاص وفي وشباط 11 وفي وآذار 9 من سنة 2022 أي 28، بينهم 21 لبنانيًا و5 سوريين واثيوبي واحد وآخر مجهول الهوية، وتوزعوا مناطقيًا 15 في جبل لبنان و5 من الجنوب و4 في الشمال وشخص في البقاع.
وسقط في كانون الثاني 11 شخصًا وفي وشباط 11 وفي وآذار 17 من سنة 2023 أي 38 شخصاً، بينهم 29 لبنانيًا و7 سوريين واثيوبيين، وتوزعوا مناطقيًا عشرين في جبل لبنان و٧ في الشمال و5 في البقاع و3 في الجنوب واثنين في بيروت.
يتبين من هذه الأرقام أن نسبة الارتفاع في عدد المنتحرين هي 10 أشخاص في ثلاثة أشهر وهز رقم صادم اذا ما تواصل على هذا النحو للأشهر المتبقية من هذا العام، والأمر اللافت هو تركز الاعداد الكبيرة من المنتحرين في منطقة جبل لبنان التي تضم نسبة كبيرة من الفقراء وبخاصة في ضواحيها، بينما توزعت سائر الأرقام بين مختلف المناطق بشكل شبه متساوي.
2 _ الجنس: بين الذين وضعوا حدًا لحياتهم سنة 2022 6 نساء و22 رجلاً، فيما 2023 بينهم 8 سيدات و30 رجلاً. بزيادة سيدتين وثمانية رجال. ولقد تراوحت أعمارهم بين 14 عامًا و85 عامًا وارتفاع نسبة المنتحرين الشباب الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا حيث قارب في الفصل الأول من السنتين نحو ثلاثين شخصًا، أي بحدود النصف تقريبًا.
3_ وسائل الانتحار: الوسيلة الأكثر استخدامًا هي اطلاق النار فانتحر سنة 2022 13 شخصًا بطلق ناري قابله 19 شخصًا بالوسيلة ذاتها سنة 2023 ، وتنوعت سائر الحوادث الأخرى بيت شنق وتناول مواد سامة ورمي نفسه من ارتفاعات واختناق.
في حين ترى الدكتورة جبران أن الظروف العامة في لبنان مهيأة عند البعض للانتحار كغياب السلطة والقانون ومؤسسات الدولة المعنية فضلا عن ضبابية المستقبل، فإ الحل برأي السيدة غنوي يتطلب وضع خطة طارئة لاستدراك هذا الامر والعمل على صياغة دفتر شروط لوسائل الاعلام لمعالجة خبر الانتحار والتعرف على التجارب العالمية، فهكذا أمور حساسة تتعلق بالامن الاجتماعي تفرض أن يكون هناك رقابة واحاطة من قبل الوزارات المعنية والجمعيات ذات الصلة.
ترى هل الانتحار في لبنان كوسيلة احتجاج على تردّي الوضع المعيشي يجدي مع هكذا طغمة حاكمة؟
الانتحار يتزايد والمؤسسات المعنية غائبة
الدكتورة مي جبران تبحث في الأسباب، والخبيرة غنوي تدعو لتضافر الجهود للحد من تصاعد هذه الظاهرة الخطيرة..
الأزمة الشاملة الاجتماعية المتأتية من الانهيار على جميع الصعد هي السبب الأساس الذي يدفع الكثيرين لوضع حدٍ لحياتهم، فمن سمع وصية احد المنتحرين منذ أشهر يطلب فيها من صديقه الاهتمام بعائلته وأولاده، يتأكد من صعوبة الحال الذي وصل إليه معظم المجتمع، ولكن هل بإنهاء حياتنا نعالج أزماتنا تلك؟ ونفرط فيها ليحلو لمن تسبب بفقرنا أن يستمتع بها!
النداء 2024. حقوق المنادى فقط محفوظة.