يقتلوننا ثمّ يمشون في جنازاتنا


لا أوقح من تحالف السلطة الحاكمة في لبنان. أعاثوا البلد فساداً منذ انتهاء الحرب الأهلية حتى يومنا هذا، وسطوا على المال العام سواء من خلال السرقة المباشرة والزبائنية والفساد الإداري أو من خلال إغداق الإعفاءات والمنح إلى المصارف وشركات الأموال والعقارات وغيرها. الهندسات المالية والفوائد الخياليّة ومعهم إعفاءات سوليدير والاستثناءات الضريبية وسياسات مصرف لبنان النقدية نماذج ساطعة عن ذلك.


التحالف الحاكم هذا، بتناقضاته البينيّة، قضى على ما تبقى من دولةٍ وتسبّب بانهيار اقتصادي ونقدي فظيع، ودفع فئات واسعة نحو خيارين أحلاهما مرّ: الهجرة أو الفقر والبطالة. التحالف نفسه تسبّب في انفجار كارثي شكّل جريمةً نكراء ضد اللبنانيين، ومقتلةً لم تجفّ دماؤها عن الاسفلت بعد. الآثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الجريمة سوف لن تغادر مجتمعنا وأهلنا خاصةً في بيروت وضواحيها قريباً.
لكنّهم بوقاحتهم، يتصرفون وكأنّ شيئاً لم يكن. الخطابات والعظات والعراضات الإعلامية نفسها. صراعات الكراسي والحصص والمغانم، ومسرحيات المجلس النيابي عروضها مستمرّة حتى إشعار آخر.
يطرح بعضهم حكومة وحدة وطنية ولكنّهم يريدون منها حكومة وحدة دوليّة، لترجمة التفاهمات والتسويات الإقليمية والدولية الجارية، وكأنّ من تسبّب بالانهيار الشامل وجريمة العصر، ومن يقف خلفهم، يؤتمنون مجدداً على مصير البلاد والعباد. ويطرح آخرون حكومة حياديّة كي يعودوا منها إلى اصطفافات قديمة ترتكزعلى استمرار تبعية لبنان لرعاته الدوليين.
قليلٌ أن يقال في أرباب النظام القاتل أنّهم وقحون: يتنازعون حصصهم على جماجمنا، يتناتشون مغانهم فوق جراحنا، يتقاذفون المسؤوليات بأشلائنا، يتكاذبون خلف الشاشات بأحلامنا، يتوعّدون ويتهدّدون بمستقبلنا، يقتلون بلدنا ويقتلوننا ثمّ يمشون في جنازاتنا.