في التعريف، تعدين الـ "بيتكوين" هو العملية التي يتم من خلالها إدخال عملات البيتكوين الجديدة في التداول؛ وإنها أيضاً الطريقة التي يتم بها تأكيد المعاملات الجديدة بواسطة الشبكة، وهي عنصر حاسم في صيانة الـ ledger blockchain وتطويره. يتم تنفيذ "التعدين" باستخدام أجهزة متطورة تحل مشكلة حسابية معقدة للغاية. يُمنح الكمبيوتر الأول، الذي يجد حلًا للمشكلة الكتلة التالية من عملات البيتكوين وتبدأ العملية مرة أخرى. يعد تعدين العملات المشفرة عملية مرهقة ومكلفة ومجزية بشكل متقطع. ومع ذلك، فإن التعدين له جاذبية مغناطيسية للعديد من المستثمرين المهتمين بالعملات المشفرة، نظراً لحقيقة أن المعدنين يكافئون على عملهم باستخدام الرموز المشفرة.
قد يكون هذا بسبب أن رجال الأعمال ينظرون إلى التعدين على أنه اموال من السماء، مثل المنقبين عن الذهب في كاليفورنيا في عام 1849، ما دفع العديد من خبراء المال الى تلقيب هذه العملية بالـGold rush. بالإضافة إلى ملئ جيوب المعدنين، فإن التعدين يخدم غرضاً حيوياً آخر: إنه الطريقة الوحيدة لإطلاق عملة رقمية جديدة للتداول. وبعبارة أخرى، فإن المعدنين يقومون في الأساس باصطياد العملة. على سبيل المثال ، اعتباراً من ايلول/ سبتمبر 2021 ، كان هناك حوالي 18.82 مليون عملة بيتكوين متداولة، من إجمالي 21 مليون بيتكوين. هذا الرقم هو الحد الأقصى للاجمالي البيتكوين المتداولة في الأسواق المالية، لأنه، وبشكل طبيعي قد يؤدي وجود الكثير من عملات البيتكوين في السوق إلى تقلبات حادة في الأسعار. مع وضع ذلك في الاعتبار، حدد المخترع حداً قدره 21 مليون بيتكوين للتحكم في العرض، وبالتالي تقلبات الأسعار في المستقبل.
التقنية الأساسية في عملية التعدين هي وحدة معالجة الرسومات او ما يعرف بالـ GPU. وحدة معالجة الرسومات عبارة عن دائرة إلكترونية متخصصة مصممة لمعالجة الذاكرة وتغييرها بسرعة لتسريع إنشاء الصور في مخزن الإطار المخصص للإخراج إلى جهاز العرض. تُستخدم وحدات معالجة الرسومات في الأنظمة المضمنة والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوترات الشخصية. حسب دراسة أجريت في أواخر تموز/ يوليو 2021، تعمل وحدات معالجة الرسومات الآن على استخراج عملة البيتكوين من 1 إلى 5 دولارات أمريكية كل 4 ساعات مقابل 10 دولارات إلى 20 دولاراً، قبل أزمة الطاقة. نرى بذلك ان الازمة الاقتصادية في لبنان قد شكلت "نعمة" و"نقمة" في الوقت عينه على عالم العملات المشفرة. فمن جهة تردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار الليرة اللبنانية دفع الكثير من المستثمرين الشباب الى البحث عن مجالات غير تقليدية للاستثمار على رأسها البيتكوين، اكان في التداول التقليدي او التعدين. لكن من جهة أخرى، التدهور الحاد في البنية التحتية وبشكل خاص التراجع في خدمة الانترنت والانقطاعات المتكررة في شبكة الكهرباء، جعل عملية التعدين مشقة حقيقية دفعت المعدنين اللبنانيين الى تكبد تكاليف باهظة من اشتراكات مولدات خاصة الى شراء بطريات تخرين الطاقة، هذه التكاليف اعدمت بشكل أساسي أي إمكانية لربح معقول ناجم عن عملية التعدين.
لكن بعض المعدنين لجؤوا الى أساليب غير مشروعة للحصول على التغزية الكهربائية المطلوبة ملتزمين بذلك نهج "الحربقة" اللبناني.
على سبيل المثال لا الحصر، اجرت منصة "صوت بيروت انترناشيونال" تقرير منذ بضعة أيام، أظهرت فيه ان منطقة جزين واقعة في انقطاع للشبكة الكهربائية مسببه الأول هو ان المعدنين يلجأون الى سرقة كهرباء، من خلال تعليق خطوط غير قانونية على شبكة الدولة، ما يحرم اهل المنطقة من ساعات التغذية القليلة أصلا التي تتكرم الدولة في منحهم إياها. اما خيار اخر هو الاعتماد على المولدات التي تعمل بالديزل. هذه المولدات فعالة في إمداد وحدات معالجة الرسومات بالكهرباء - حتى نفاد الديزل. كان سعر غالون الديزيل الواحد حوالي 30 ألف ليرة لبنانية، أما الآن فهو يتراوح بين 100 ألف و 150 ألف ليرة في السوق السوداء وهذه الأرقام تعود الى بضعة اشهر الى الوراء ما يحتم تضاعف السعر.
كما وان تكاليف التقنيات ارتفعت بشكل ملحوظ، اعتاد العملاء أن يكونوا قادرين على استيراد وحدات معالجة الرسومات من الولايات المتحدة مقابل 300 دولار في عام 2019. الآن الأسعار تقترب من 1200 دولار لكل وحدة معالجة رسومات. من ناحية اجتماعية، الأجيال الشابة هي التي تدخل في عالم بيتكوين، الفئة العمرية هي من 16 إلى 30 كأغلبية. فهذه الفئات الشابة تكون بمعظمها في حالة عدم استقرار مالي على الصعيد الشخصي لانهم مشكلين بشكل أساسي من طلاب ومن مبتدئين في سوق العمل. إضافة الى ذلك وحسب ما جاء في تقرير للأمم المتحدة أنه في ربيع عام 2021 ، اصبح ما يقدر بنحو 78٪ من السكان في لبنان تحت خط الفقر. وأضاف البنك الدولي إن تراجع لبنان "من المرجح أن يصنف ضمن العشر الأوائل ، وربما الثلاثة الأوائل ، وأشد حلقات الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر". فهذه المعطيات معطوفة على بعضها تظهر ان للتعدين مخاطر مالية حقيقية على شريحة شابة هي أصلاً متدهورة مالياً.
من التفسيرات المنطقية لتوافد المستثمرين اللبنانيين المستمر الى عالم العملات المشفرة، رغم الصعوبات المالية والاقتصادية التي عرضناها انفاً، ورغم تقلص هامش الربح الناتج عن هذه العملية، هي انهيار القطاع المصرفي وفقدان الثقة شبه الكاملة بهذا القطاع عقب احدى اكبر عمليات السطو المنظم التي اجرتها معظم المصارف على أموال اللبنانيين، محمية من الاوليغارشية السياسية والاقتصادية اللبنانية. اما من منظار شخصي فالتشجيع على الاستثمار في مجالات جديدة في عالم المال والتداول أمر ضروري وأساسي، خاصةً عند فئة الشباب لكن من المهم أيضاً تحذير هؤلاء من المخاطر الكبيرة التي تحيط هذه العملية، أكان في التداول التقليدي او التعدين فمخطئ من يظن الربح بهذه السهولة فيعتريه شقاء كبير يتوجب دراسة معمقة قبل الانخراط به.