بالتأكید لم یعجب بومبیو الموقف الرسمي اللبناني الذي عبرت عنه مختلف المرجعیات التي التقاها حیال حزب االله، وأساساً لم یكن ینتظر بومبیو أن یسمع شیئاً آخر، نظراً لأن سفارة بلاده تكون قد زودته مسبقاً بمواقف مختلف الأفرقاء اللبنانیین. ومع ذلك قال كلمته ومشى تاركاً البلاد لتداعیات تهدیداته.
إن أهم ما یحصل مع الإدارة الأمریكیة الراهنة في موضوع الصراع العربي-"الإسرائیلي" هو أنها خلعت ثوب العفة وكل الأقنعة التي كانت ترتدیها على امتداد العقود السبعة المنصرمة وباتت تمارس الدعارة السیاسیة بوقاحة ما بعدها وقاحة وبات حلفاؤها عراة حتى من ورقة التوت، وبات الموقف واضحاً وضوح الشمس، إما أن تكون مع الولایات المتحدة الأمریكیة التي وهبت القدس في العام الماضي لأعداء الأمة وبالأمس وهبتهم الجولان، وإما أن تكون مع نهج المقاومة لهذه السیاسة بمعزل عن مدى تأییدك لمن یمارس هذه المقاومة. فلا منطقة رمادیة بین العمالة والمقاومة بعد الآن.
مقابل "صفقة القرن" هناك فقط المقاومة ولیضعوا ما شاؤوا من نقاط على السطر
عشیة إعلان الرئیس الأمریكي دونالد ترامب تأیید بلاده لضم "دولة اسرائیل" لمرتفعات الجولان السوریة المحتلة، انفجر الوضع على جبهة قطاع غزة وكان رد المقاومة قویّاً مدویّاً وصلت فیه الصواریخ إلى تل أبیب نفسها، بالرغم من عنف الغارات "الاسرائیلیة" التي حاولت التعویض عن العجز "الاسرائیلي" بضرب أهداف مدنیة كالعادة.
وقبل هذه التطورات بأسبوع كان البطل الفلسطیني عمر ابو لیلى قد لقّن العدو درساً قاسیاً أیضا عندما هاجم بسكینه جندیّاً "اسرائیلیاً" وقتله وانتزع سلاحه، لیستخدمه لاحقاً في اطلاق النار على جنود "اسرائیلیین" آخرین قبل فراره إلى مسافة 40 كیلومتر من عملیته حیث طاردته قوات الاحتلال وخاضت معه مواجهة استمرت ثلاث ساعات ولم تنته إلا بتدمیر المنزل الذي كان یتحصن فیه.
بین البطل عمر والصاروخ الذي طاول تل أبیب یؤكد شعب فلسطین أن لا ترامب ولا ترسانته العسكریة التي یغدق بها على العدو "الاسرائیلي" ستنهي قضیة فلسطین، ولمن ینتظر ما یسمى بصفقة القرن علیه أن یعرف أن الصفقة هي هذه بكل صلف، كل الأراضي العربیة المحتلة هي تحت سیادة الاحتلال، ولا دولة فلسطینیة ولا حتى بلدیة فلسطینیة بل خضوع كامل ونقطة على السطر. وفي المقابل لا طریق للمواجهة مع هذه الصفقة إلا بالمقاومة ولهم أن یضعوا ما شاؤوا من النقاط على السطر.
بعد ضمان أصوات اللوبي الصهیوني ونهب المال العربي ترامب یضمن ولایة ثانیة
أصدر المدعي العام الامریكي روبرت مولر نتائج تحقیقاته في قضیة تورط حملة الرئیس دونالد ترامب بالتواطؤ مع روسیا في التلاعب بنتائج الانتخابات الأمریكیة التي جرت عام 2016، تضمن التقریر القول أن ترامب وحملته أبریاءٌ من ذلك، ما أعطى الرئیس الجمهوري قوة دفعٍ لمواجهة خصومه الدیمقراطیین تحضیراً للانتخابات الرئاسیة الأمریكیة التي یفترض أن تجري في العام المقبل.
وفي إطار تحضیراته أیضاً، حصد ترامب أصوات اللوبي الصهیوني في أمریكا سلفاً عبر اعترافه بسیادة "اسرائیل" على مرتفعات الجولان بعد اعترافه في العام الماضي بسیادتها على مدینة القدس. ومع هذین الأمرین وبتخفیف تواجد قواته في سوریا یشن انقلاباً دستوریّاً ضد الرئیس الفنزویلي نیكولاس مادورو، لینقض على المد الیساري الذي عاشته دول أمریكا اللاتینیة في السنوات العشر المنصرمة. وفوق كل ذلك فقد استفاد ترامب من مئات الملیارات السعودیة والخلیجیة لیخفض مستوى البطالة في بلاده جراء تنشیط بیع الأسلحة.
باختصار، فإن ترامب یدخل في العام المقبل سباق الرئاسة وهو یتقدم أي من خصومه المفترضین داخل حزبه والحزب الدیمقراطي المعارض بأشواط بعیدة، وبات على أعداء سیاسته الیمینیة المتطرفة في مختلف انحاء العالم أن یتحضروا لما تبقى من ولایته الرئاسیة الحالیة ولولایة ثانیة له بكثیر من الصبر وكثیر من المواجهة مع محاولات تحویلها إلى ولایة مؤلمة على كل الصعد.