وسوف نرى في الجدول المرفق (ص. ١٤) كيف ارتفعت الجريمة في معظم أشكالها، إذ أنه بالرغم من تراجع جرائم القتل وحوادث الانتحار فإن كلّ الجرائم الأخرى قد شهدت ارتفاعًا كبيرًا ولا سيما منها جرائم السرقة الموصوفة. وتُظهر القراءة الإحصائية التي تحصلنا على أرقامها من شعبة العلاقات العامة في وحدة هيئة الأركان بالمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن النصفين الأولين لسنة 2020 و2021، تضاعفًا كبيرًا في حجم الجريمة.
لقد كان لافتًا أن جرائم القتل تراجعت هذه السنة عن السنة الفائتة؛ إذ سجلت انخفاضًا بلغت نسبته 12.5 بالمئة؛ ففي حين قتل في العام 2020 ثمانية وثمانين شخصًا فإنه سجل مقتل سبعة وسبعين سنة 2021 أي بتراجع بلغ عشرة أشخاص. والمستغرب في هذا السياق هو حصول 27 عملية قتل في شهر نيسان من العام الماضي قابله حصول 15 عملية في الشهر ذاته من السنة الحالية.
في السياق الإيجابي ذاته فقد تبين أن حوادث الانتحار هي الأخرى قد تراجعت بنسبة 18.75 بالمئة؛ ففي حين وقعت في العام 2020 ثمانين حادثة انتحار فإنه سجل وقوع ستة وخمسين حادثة هذا العام، أي بتراجع بلغ خمسة عشر حادثة.
في هذا الإطار فسرت الباحثة النفسية الاستاذة لما أمهر جوليان تراجع جرائم القتل وحوادث الانتحار، بما اعتبرته البحث عن التوازن الاجتماعي لدى الفرد؛ فبعد أن كان بعض الأفراد يعتقدون أن الأزمة التي نمر بها فردية وبأن طاقتهم فاقت الاحتمال على الصمود والعيش، أصبحوا، مع تردي الوضع أكثر، يجدون أن مشكلتهم جماعية وليست فردية. وهم باتوا، في الآونة الأخيرة، مشتتي الفكر والذهن، ومبرمجين للبحث عن لقمة العيش فقط من دون الوعي الكافي عن طريقة وصولهم لها وذلك بسبب قلقهم الوجودي. وتنهي إن الوضع المزري الذي وصلنا إليه انعكس على الأفراد الذين يشعرون بالإحباط وفقدان الأمل، فهم سُلِبوا أهم حقوقهم الانسانية، فأصبحوا يتعاطون مع هذا الواقع بشكل طبيعي؛ فالانتحار يكون صادر من شخص هو قرر فعل ذلك، ولكن عندما يتعرض لخطر القتل يشعر بالخوف فيواجه لأجل البقاء.
في مقابل هذه الأرقام الإيجابية حتى تاريخ صدور هذا العدد من النداء، فقد سجل ارتفاعًا كبيرًا في جميع الجرائم الأخرى التي سنكتفي بإيراد خمسة منها في هذه القراءة وهي: صافي السيارات المسروقة، وصافي السيارات المسلوبة، والنشل، والسلب والسرقة الموصوفة.
لقد سجلت في العام 2020 حصول 381 عملية سرقة لسيارات قابلها حصول 538 عملية مماثلة هذا العام، أي بزيادة بلغت 157 عملية بارتفاع نسبته 29.18 بالمئة. وتعدّ هذه النسبة مرتفعة جدًا ومكلفة، وذلك بسبب الارتفاع الكبير الذي طرأ على قطع غيار السيارات وعلى أسعارها أيضًا. ويقول مصدر أمني مطلع أن عصابات سرقة السيارات كانت تقوم بنقلها الى خارج لبنان وبيعها بالعملة الصعبة، وهي اليوم تقوم أيضًا بتفكيك بعضها قطعًا وبيعها في السوق السوداء مستفيدين من الارتفاع الكبير لسعر صرف الدولار.
كذلك الأمر بالنسبة لجريمة سلب السيارات _المقصود بالسلب هنا هو قيام عصابات في شهر أسلحة مختلفة بوجه أصحاب السيارات وإرغامهم على تركها لهم بالقوة_ حيث سجل حصول 23 عملية السنة الماضية قابلها حصول 27 عملية هذه السنة، أي بزيادة اربعة عمليات وبارتفاع بلغت نسبته 14.81 بالمئة.
أما عمليات النشل فقد بلغت في العام 2020 مئة واثنان وتسعون عملية قابلها حصول مئتان وستة وعشرون عملية هذا العام، أي بزيادة بلغت 34 عملية نشل وبارتفاع بلغت نسبته 15 بالمئة. بالمقابل فقد سجل وقوع 267 عملية سلب في العام 2020 قابلها وقوع 333 عملية هذا العام، بزيادة بلغت 66 عملية وبارتفاع بلغت نسبته 19.81. علمًا أن عمليات النشل عادةً ما تطال السيدات حيث يجري نشل حقائبهن إن كان على الطرقات أو من داخل سياراتهن، ويرتكبها غالبًا شخصان على مركبة آلية. أما السلب فيحصل بقوة السلاح إذ يعمد السالبون الى شهر أسلحة حربية أو سكاكين وكل ما يشكل تهديدًا للآخرين. وبالمناسبة لطالما حذرت قوى الأمن الداخلي السيدات خاصةً الى ضرورة حمل حقائبهن لجهة اليمين، أي الجهة التي تكون حقائبهن محمية وغير سهلة النشل، كما وتدعو الى إحكام إغلاق السيارات من الداخل وعدم ترك المحفظات ظاهرةً للعيان بخاصةٍ الى جانب السائق.
أما الجريمة الكبيرة التي تدل بوضوح على اتساع الشرائح الاجتماعية الفقيرة في البلاد فهي السرقات الموصوفة، أي السرقات التي تطال عادةً المنازل والصيدليات والمحال التجارية وغيرها. ففي حين وقعت في العام 2020 ألف وستة وخمسين عملية سرقة فقد سجل هذا العام وقوع ثلاثة آلاف وخمسون عملية سرقة، أي بزيادة بلغت 1994 عملية بنسبة ارتفاع وصلت حدود الـ 66 بالمئة. ويرجع المصدر الأمني ذاته هذا الارتفاع الجنوني بالسرقات الموصوفة إلى وقوع غالبية اللبنانيين تحت خط الفقر، حيث لم يعد بالامكان تحصيل قوتهم وقوت عيالهم، ولكنه يؤكد أن هذه الظروف لا تبرر اللجوء الى السرقات، ويرجو أن تسارع القوى السياسية الحاكمة، من فورها، الى إيجاد المخارج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي من شأنها تحسين المستوى المعيشي للبنانيين وتخفيض حالة التوتر العصبية التي تنتابهم جراء انسداد الأفق السياسي في البلاد.