ليبيا بين الصراعات الداخلية والأطماع الإقليمية والدولية

يزداد المشهد السياسي والعسكري تعقيداً في ليبيا، بحيث اشتدت حُمّى الصراعات الداخلية، والتدخلات العسكرية الإقليمية والدولية المباشرة وغير المباشرة، ليطغى غبار المعارك ويحجب الرؤية، لفهم طبيعة هذا الصراع واستهدافاته ومصالح كلّ واحدٍ من القوى المشاركة فيها، أي في الحرب الدائرة في ليبيا وعليها. ويتساءل المراقب والمواطن العربي، كيف هي الخارطة السياسية والعسكرية في الداخل الليبي؟ وماذا تريد كلٌّ من تركيا ومصر والامارات والسعودية، وصولاً إلى اميركا وروسيا وفرنسا من ليبيا؟

من المعلوم أنّ جهود الأمم المتحدة، بالتزامن مع الصراعات الأهلية في ليبيا، قد نجحت في التوصل الى اتفاق، أفرز حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بقيادة فايز السراج، إلا أن قوات شرق ليبيا بقيادة اللواء خليفة حفتر، رفضت الإنضمام إليها، واعتبرتها حكومة الأخوان المسلمين، التي كانت على علاقة جيدة مع حكم الأخوان المسلمين في مصر برئاسة محمد مرسي الذي تم خلعه وإسقاطه في ما بعد، وانضمت إلى موقف مصر كلٌّ من السعودية والامارات في دعم اللواء حفتر، في حين انضمت تركيا وانبرت للدفاع عن فايز السراج، وهي التي تدعم كلَّ حكمٍ بقيادة الأخوان المسلمين، إنطلاقاً من ايديولوجية حزب اردوغان العدالة والتنمية الأخوانية الاسلامية، فهل هو الدافع الايديولوجي فقط أم وراءه مصالح اقتصادية وهي أبعد واعمق .

ماذا تريد تركيا من ليبيا؟

تعتبر تركيا ليبيا من المناطق النائية الأوسع شرق البحر الأبيض المتوسط، وبوابة إقتصادية مهمة في شمال افريقيا، في حين أصدقاؤها قلّة في منطقة الشرق الأوسط. خاصة وأن مصر والسعودية والامارات، ينافسون تركيا على زعامة العالم الإسلامي.تركيا لديها الاهداف التالية: الطاقة - تركيا تستهلك كميات هائلة من الطاقة، فهي تستورد باكثر من 50 مليار دولار في العام الواحد. ورغم كل عمليات التنقيب التي اجرتها، علس الساحل التركي، اتضح عدم وجود غاز أو نفط، بل راحت تنقّب أمام سواحل قبرص، اعتبرته الأخيرة استفزازاً سافراً، وغير قانوني، الأطماع التركية هي هي، سواء تدخّلها العسكري إن في سوريا أو العراق، وتجهيز خلايا نائمة لها في شمال لبنان، رائحة النفط والغاز تجذبها عن بعد، حتى إلى ليبيا النائية. فعقدت إتفاقاً مع حكومة السراج، للتنقيب أمام السواحل القريبة من اليونان وقبرص.

منطقة الشرق الاوسط – تحتوي على مخزون يقدّر ب100 تريليون متر مكعب. أنقرة تريد حصة لها من تلك الثروة، واحتلالها لأراضٍ في سوريا والعراق وربما في لبنان لاحقاً. من أجل المساومة. أضف إلى ذلك، العدو الاسرائيلي سيوقّع على اتفاقية "ايستميد" مع اليونان وقبرص في كانون الثاني من العام المقبل لتأمين إمدادات الطاقة في اوروبا، عبر خطّ طوله 2000 كلم وهذا يعرقل محاولات تركيا توسيع السيطرة، على شرق البحر المتوسط ، فجاء التحالف التركي الليبي(حكومة الوفاق الوطني) المعترف بها دولياً، كردٍّ على الاتفاقية اليونانية القبرصية والكيان الصهيوني.

أن تكون تركيا قريبة من مصر - أي التواجد على مقربة من حدود مصر الغربية، لأن ليبيا ساحة مواجهة بين القاهرة التي تدعم حفتر وانقرة التي تساعد وتساند حكومة فايز السراج العثمانية الجديدة بحلتها المتجددة مع اردوغان - الدور التركي في ليبيا في إطار مساعي رجب الطيب أردوغان لإحياء العثمانية الجديدة، وسط نفوذ أوسع لأبناء اتاتورك، على منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

كما نرى ليست ليبيا هدفاً عسكرياً، بقدر ما هو مجموعة أهداف كبيرة وكثيرة سياسية، وهي التي حملت اللاجئين السوريين على أراضيها وأرسلتهم إلى ليبيا للقتال كمرتزقة، وعدتهم باعطاء الفرد 3 أو 4 آلاف دولار والجنسية التركية، تماماً كما فعلت أميركا في العراق، في حين تعطيهم بالعملة التركية، وقد قتل العديد منهم، وهي ليست خسائر بالنسبة لأنقرة والسلطان العثماني الجديد. بالأمس أطلق على اردوغان تسمية لص حلب، والآن هو لص بنغازي. تركيا العثمانية الاستعمارية، تريد أن يكون لها رأي وحصة من الثروات الطبيعية في المنطقة.

تركيا تعتبر أنها تتحرك بإطار دعم الحكومة المعترف بها دولياً، في حين يعتبر السيسي حاكم مصر أن اللواء حفتر قوي عسكرياُ ويقف ضدّ الأخوان والحكومة المدعومة من تركيا الإخوانية، والجدير بالذكر أن فرنسا تدعم حفتر، وكذلك روسيا، كون هاتان الدولتان تأملان باستعادة النفوذ الذي كان لهما وخسرتاه في ليبيا بعد سقوط القذافي، وبوجود المنافسة التركية والتي دخلت عسكرياً بقوة، قد أزعج حتى الاميركيين الذين عبّروا عن امتعاضهم من السلوك التركي. إذ بعد سقوط القذافي تمّ توزيع الحصص من بين الشركات الاميركية والاوروبية ولا سيما فرنسا، وها قد جاءت تركيا للمنافسة.

المعارك مستمرة والصراع الداخلي والإقليمي والدولي مستمر، لأن ليبيا تمتلك مخزوناً من أجود أنواع النفط، وعلى مقربة من سطح الأرض واستخراجه غير مكلف كثيراً، لا فُضَّ فوه من قال إن النفط نقمة وليس نعمة للعرب، ويتحوّل إلى نعمة، بحركة تحرّرعربي من نوع جديد.

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 380
`


خليل سليم