الضمّ آخر مخططات المشروع الصهيوني قبل التهجير

بعد خروج الفصائل الفلسطينية من بيروت سنة 1982، بدأت تلوح في الافق إتفاقيات بين الإسرائيليين ومنظمة التحرير بدعم أمريكي وغطاء عربي. هذه المساعي قزّمت شعار "تحرير كل فلسطين" حتى أصبح بناء "دويلة" فلسطين على قسم من أراضيها، وفق إتفاقية أوسلو.


الضفة الغربية وأوسلو
سمح هذا الاتفاق إلى تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق إدارية وأمنية (أ ,ب,ج) حيث خضع ما مجمله 39 % من منطقة (أ،ب) للسيطرة الادارية و الامنية ألفلسطينية، سواء كان ذلك بصورة كلية في مناطق ( أ ) أو مشترك مع إسرائيل في مناطق (ب) وأبقى ألإتفاق 61 % من أراضي الضفة الغربية في المنطقة (ج) تحت السيطرة الأمنية والإدارية الاسرائيلية الكاملة.
ومرة ثانية إستفاد الصهاينة من فرص وأحداث قضت على حلم تحرير فلسطين، ومن ثمّ الدويلة الفلسطينية المسخ، وإستثمروا في حالة الانقسام الفلسطيني وإستسلام الانظمة العربية. هذه التطورات مهدّت لإعلان ترامب لصفقة القرن في كانون الثاني من العام الحالي، منفذاً وعده بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للدولة ألصهيونية ليبدأ بعدها حزب الليكود بزعامة نتنياهو بالتحضير للمرحلة الثالثة من مخططه ألا وهو "الضمّ". وما أن استطاع نتيناهو ترؤس الحكومة التي نالت الثقة في الانتخابات التشريعية في نيسان الماضي، حتى أعلن نيته في ضمّ الضفة الغربية وغور الأردن مطلع تموز. وبهذا يكون نتنياهو قد أبعد ألفلسطينيين عن حُلمهم الذي سقط لأجله آلآف ألشهداء، وألغى لاحقاً أي أمل في بناء الدولة الفلسطينية.


مشروع الضمّ
منذ توقيع إتفاقية أوسلو زاد عدد المستوطنين في الضفة الغربية أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانوا عليه، وخطة الليكود تشمل ضم المستوطنات في الضفة حيث بلغ عدد المواقع ألتي أنشاؤها منذ 1967 حوالي 440 موقعاً إستيطانياً مدنياً وعسكرياً.
تقدّر مساحة هذه الأراضي ب 10 بالمئة من مساحة الضفة، ويضاف إليها أكثر من مليون ونصف المليون دونم لا تدخل في مناطق عمران للمستوطنات لكنها تابعة لها.وبذلك تكون مساحة الأراضي الواقعة تحت سيطرة المستوطنات مباشرةً نحو 40 % من مجمل مساحة الضفة الغربية وتشكَل 63 % من مساحة مناطق "ج".
أما في منطقة ألأغوار ألتي تشكل 25 % من الضفة الغربية فيعيش فيها حوالي 60 ألف فلسطيني بما فيها أريحا التي يسكنها قرابة ال 20 ألف مواطن, أي ما مجموعه 2 % من سكان الضفّة فقط. هدف الصهاينة من وراء ضمها الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة وبأقل عدد سكّان.
تؤكّد الخرائط التي وضعها نتنياهو بأن أي حديث عن دولة فلسطينية مستقلة ستكون عبارة عن مقاطعات منفصلة وفاقدة لأي سيطرة أمنية. عمليا "إسرائيل" تُخضع مناطق الضمّ تحت سيطرتها الادارية إلاّ أن واحدة من أهدافها الخبيثة هو في طي صفحة الإتفاقات لسابقة و إضفاء إتفاق جديد ينهي حلم الدولة الفلسطينية دون إعطاء الفلسطينيين أية حقوق متساوية مع الشعب ليهودي في مناطق الضم، وجعلها على شاكلة إدارات بلدية محدودة الصلاحية وصولاً للتهجير التدريجي.


المواقف
يواجه العدو صهيوني موجةَ من الإنتقادات العالمية عامة والأوروبية خاصة لإقدامه على مثل هذه الخطوة غير محمودة العواقب خاصة في ظل إحتقان الشارع الفلسطيني المتأهب للإنتفاضة بقوة أمام هكذا مشروع مصيري وهذا ما عبّرت عنّه مختلف الفصائل الفلسطينية. ترامب مأزوم في عدّة ملفات: الإنتخابات ألرئاسية، الانتقادات في كيفية التعاطي مع إجتياح الكورونا لبلاده، حادثة مقتل جورج فلويد وتداعياتها، الصراع داخل إدارته، والخلافات مع الديمقراطيين، اضافة الى الازمة مع الصين. ورغم أن ترامب كان من أكثر المتحمسين لتنفيذ مشاريع إسرائيل إرضاءً لقناعاته وكسباً للوبي الصهيوني، كما كان متحمساً في نقل سفارته والإعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل الأبدية، إلاّ أنه يُدرك أن أي خطوة ناقصة بهذا الشأن قد تزيده تأزماً.


على الصعيد الفلسطيني
انّ كل المراهنات التي عملت عليها السلطة الفلسطينية على مدى عشرات السنين تجاه الولايات المتحدّة كانت مضيعة للوقت. وانّ الحديث الدائم عن شراكة السلام مع الكيان وترجمتها من خلال التنسيق الأمني وألإستخباراتي كانت تخدم العدو الصهيوني وتحمي ظهره. ورغم السقف العالي والنبرة ألقوية التي يتحدث فيها أبو مازن وبعض أركان قيادته، الاّ أنها لم تسلك طريقها بعد نحو التنفيذ الفعليّ وذلك يعود إلى قوة الحبل المشدود على خناق السلطة، وعدم حسم أمرهم بفك الإرتباط النهائي مع الإسرائيليين، وخاصة في الشقّ ألأمني واعتماد كافة أشكال المواجهة دون إحتساب لكلفة التضحيات.
ورغم الرفض المطلق لأي من قادة لفصائل بعدم التوقيع على صفقة ألقرن أو ألضم إلا أن البرجوازية الفلسطينية المستفيدة ما زالت تترنح، وصار من الضروري إجراء مراجعة فعلية لكل السياسات والمواقف ألتي مورست على أرض لواقع مع اخوة النضال أولاً، ومع العدو الصهيوني والادارة الاميركية ثانياً. كما مع الأنظمة العربية الرجعية ألتي تندفع مهرولةً لتسليم أوراق إعتمادها للعدو الصهيوني لتحصل على فتات من الدعم الاميركيّ.
لم يعد أمام القيادات الفلسطينية بعد كل هذه التجارب إلاّ أن تتعلم الدروس الصحيحة في التاريخ. وحدة الشعب هي مصدر الانتصارات دوماً. لذلك، العود اليه يزيد الموقف الفلسطيني قوةً وصلابةً. عندها ستجد الثورة الفلسطينية إلى جانبها قوى التحرر في العالم العربي وفي طليعتهم حزبنا الشيوعي اللبناني - الذي قدم الشهداء والجرحى والأسرى- في سبيل قضية فلسطين. وهو على إستعداد للمزيد حتى نعيد معاً شعار كل فلسطين للفلسطينيين.