مشروع احياء أغاني الثورة الفلسطينية.. لنحافظ على تاريخنا


لطالما كبرت وترعرعت أجيالٌ فلسطينيّة بأكملها على وقع هدير الأغنيات الثوريّة إنّ صح الوصف، من منّا ينسى انتفاضة الحجارة 1987 وما صاحبها من أغنيات وطنيةٍ كان مجرّد ترديدها يُرعب جيش الاحتلال، ومن منّا ينسى انتفاضة الأقصى وما صاحبها من أغنياتٍ وشعاراتٍ وطنيّة كان ترديدها أثناء تشييع الشهداء في شوارع وأزقّة مُخيّماتنا الفلسطينيّة يمثّل شارة بدء أو أمرٍ لتنفيذ حكم الثورة وتسطير أروّع البطولات في هذا الشارع الالتفافي بالضفة، أو في ذاك الزقاق في مُخيّمات غزّة أو في أي منطقةٍ فلسطينيةٍ محتلة.


هذه الأغنيات التي أصبحت جزءًا من الذاكرة الجمعيّة لشعبنا الفلسطيني وتراثه الحي، وكنّا ننام ونصحو عليها وصاحبت جّل ذكرياتنا خلال مراحل عمرنا المُختلفة في مقارعة الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه غطّى غُبار المرحلة القاتمة الحاليّة بريقها في أذهان الكثيرين، ولم يعُد للأغنية الثوريّة أو المُلتزمة أثرها وفاعليتها كما السابق، وذلك يعود إلى عدّة عوامل لعل أبرزها الماكنة الإعلاميّة الضخمة التي يمتلكها عدوّنا بجانب بعض وسائل الإعلام العربيّة التي تتطوّع في أغلب الأحيان لمساعدة الاحتلال في تحقيق أهدافه من أجل كي وعي شبابنا الفلسطيني خاصّة مع موجة التطبيع الجاريّة الآن، وحرف مسار تفكير شبابنا أو حتى تسطيحه، أو إلهائه في أشياء أكثر هامشيّة.

ووسط كل هذا التكالب المقصود على شعبنا وقضيّته العادلة من كل حدبٍ وصوب، يطل علينا مجموعة من الشباب الفلسطيني الغيور على إرثه الوطني، عاصروا الانتفاضتين وأكثر من محطّات البطولة المسجّلة في تاريخ شعبنا منذ أكثر من 70 عامًا، تطوّعوا لجمع وترتيب هذه الأغنيات الوطنيّة لتقديمها لكل الأجيال الفلسطينيّة الحاليّة بشكلٍ عصريٍ يُتماشى مع عصر التكنولوجيا ومتطلّباته لتفعيل وإطلاق أرشيفٍ كامل وحي بإخراجٍ عصري وانتاجٍ بصري متقدّم لتقديم هذا التراث بشكلٍ جذّاب ينقله من خانة الاستماع إلى المشاهدة معًا، مُطلقين عليه مشروع "إحياء أغاني الثورة الفلسطينية"، إذ أطلقت منصة ( فلسطين 27) المشروع فعليًا مساء الثاني من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل الجاري بالشراكة مع مجموعة متنوّعة من المنصات الإعلاميّة الفلسطينيّة والعربيّة، كان من ضمنها "بوابة الهدف الإخبارية" التي شاركت وستُواصل في الترويج لكل ما ينتج عن هذا المشروع من باب الحرص على هذا الإرث الوطني الذي يُشرِّف أصغر طفلٍ من أطفال شعبنا.
حفظ لتراثنا أولاً.

وللاستزادة أكثر، قال منسق المشروع م. سعد عبد الهادي، إنّ "الفكرة الأساسيّة كانت لحفظ هذا التراث في ظلّ الأحداث والتعقيدات التي تمر بها قضيتنا الفلسطينيّة، وفي ظل عملية الاستهداف الممنهج بشكلٍ مقصود أو غير مقصود لهذا التراث، وأيضًا في ظل حالة الهبوط في مستوى الفن المُقدّم للجماهير العربيّة بشكلٍ عام وجماهيرنا الفلسطينيّة على وجه الخصوص"، لافتًا إلى أنّ "الأغاني الفلسطينيّة لم تبدأ في الانتفاضة الأولى فقط ولا حتى في الثانية، بل هناك تراث فلسطيني ما بين نشيد وأغاني وقصائد تمتد للعشرينات من ثورة البراق والثورات الكبرى وسجن عكا والعديد من الأحداث الهامة حتى قبل إنشاء كيان الاحتلال".

وأشار أيضًا خلال حديثه لـ"بوابة الهدف"، إلى أنّ "هذه الأغنيات الموجودة اليوم على منصة يوتيوب مثلاً أو على ساوند كلاود الصوتي تفتقر للإنتاج البصري والإخراج العصري الذي يليق بها فنشاهد صورًا ليس لها علاقة بالأغنية موجودة في مقطع الفيديو الخاص بها، وتواقيع منتديات والإخراج يكون بدائيًا، وكل هذه الملاحظات لا تليق لا باسم ولا بتاريخ القضيّة الفلسطينيّة ولا حتى بحجم هذه الأغاني التي هي جزء من ذاكرتنا الفلسطينيّة"، مُؤكدًا أنّ "هناك أغاني إذا سمعها الفلسطيني تعيده إلى عشرات السنين إلى الوراء من: ارمي عليا من السما، طالعلك يا عدوي طالع، أغاني بيروت والكفاح المسلح، أغاني السبعينات، كل هذه الأغاني ارتبطت بأجيال معينة وبأحداث وذكريات سواء أليمة أو مفرحة لشعبنا، ولكل هذا انطلق المشروع لتذكير الأجيال الجديدة التي أصبحت ترتاد التطبيقات الحديثة كـ"التيك توك" مثلاً وغيره من التطبيقات بشكلٍ جنوني مع وجود محتوى أقل من هابط بتاريخها المجيد.. جيلنا عاصر فترة المنتديات والانتفاضة وزخمها، ولكن اليوم مع الأسف تسأل الشباب عن قصة سجن عكا أو اجتياح بيروت أو قصص خطف الطائرات وكل الأحداث الثوريّة، للأسف ستُصدم من الإجابات!، في وقتٍ يتواجد فيه الإعلام المُعادي الذي يبتلع الجيل الجديد بمحتواه السطحي".

كما شدّد عبد الهادي على أنّ "الإرث الغنائي الفلسطيني الضخم مثله مثل المعلم الأثري الذي يصف حقبة معيّنة من التاريخ، وهذا في النهاية تاريخ شعب يعود لقرابة 100 عام منذ بدء الاحتلال الإنجليزي وما تلاه من مآسي على الأرض الفلسطينيّة، فكان هناك أيضًا أهمية لإطلاق هذا المشروع، وقمنا بتجميع عدد من الأغاني الدارجة والمشهورة لنبدأ بها ونُعيد تقديمها بهويّة بصريّة تسرد القصة مع صورها، إذ فضّلنا الانطلاق بأغاني معروفة وليست قديمة ومنسيّة حتى تكون بداية ناجحة، وكل هذا الجهد يقوم عليه طاقم منصة (فلسطين 27) وهي منصّة مختصة بتاريخ التراث الفلسطيني، وهناك أيضًا جهد شبابي تطوعي والباب مفتوح لأي متطوّع لديه الرغبة في تقديم مواد أو صور أو مقاطع فيديو من الأرشيف الفلسطيني، ونحن سنقوم برفع كل الفيديوهات ملفات "درايف" أي جاهزة للنشر، ونرسلها إلى كل المنصات والمواقع التي ترغب في نشرها وذلك في سبيل تحقيق الهدف المنشود".

"يا شوفة للنسر"

يُشار إلى أنّ باكورة هذا المشروع التراثي كانت أغنية "يا شوفة للنسر" التي خرجت للنور بصورةٍ عصريّة وأكثر رشاقة من ناحية المحتوى البصري، فمن مرفأ بيروت خرجت أفواج المقاتلين الفلسطينيين إلى منافي الأرض بعد ثمانين يومًا من الصمود الأسطوري في وجه الاجتياح والعدوان، فكانت رائعة فرقة العاشقين التي خلّدت بكلماتها وألحانها هذا المشهد الملحمي.

وخلال حديثه أيضًا، أكَّد عبد الهادي أنّ "المشروع يأتي في وقتٍ لا تقوم فيه بعض الدول بالتطبيع مع إسرائيل فقط، بل انتقلت من خانة التطبيع إلى خانة التشكيك في الحق الفلسطيني من حيث وجوده، ونحن اليوم أمام تيّار يُحارب إلى جانب إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه ولا يكتفي بالتطبيع، وللحق هناك منصات عربيّة شاركت معنا وستقوم بترويج ما ننتجه وننشره من خلال منصاتنا ومنصات شركائنا المختلفة".

وفي ختام حديثه مع "الهدف"، شدّد عبد الهادي على أنّ "الاحتلال يشن حربًا على المحتوى الفلسطيني، لكنّ المواجهة تكون بتعزيز هذا المحتوى وفي الاستمراريّة، لأنّ هذا التاريخ يجب أن يُروى وأمانة للأجيال القادمة أن تجد هذا التاريخ بشكلٍ لائق وبما يتواءم مع عصرنا الحالي من ناحيةٍ تقنيّة، وهذا المشروع هو للكل الفلسطيني ونسعد بمُشاركة الجميع لنعمل سويًا على أرشفة هذا التراث سيما وأنّه لا يوجد جهة رسميّة فلسطينيّة لديها أرشيف أو سيرفر خاص لمُشاهدة هذه الأغاني، كل الموجود فقط هي مبادرات شبابيّة وحسابات ربحيّة".