أردوغان وسياسة الانتحار

تسارعت الأحداث بشكل دراماتيكي في الشمال–الغربي السوري وبخاصة في منطقة إدلب، في شباط الماضي وكادت الأوضاع العسكرية أن تخرج عن السيطرة، لتتحوّل إلى حرب مفتوحة بين الجيشين السوري والتركي، يصعب رسم حدودها.

وكانت حلب قد تعرّضت في الأشهر القليلة الماضية إلى اعتداءات متكرّرة من قبل المجموعات الإرهابية، المدعومة تركيّاً، ما دفع القيادة السورية لاتّخاذ القرار، بطردهم من ريف حلب وصولاً إلى ريف إدلب، عبر ضو أخضر من قبل حليفها الروسي، الذي عانى بدوره من المحاولات الاستفزازية لتحليق الطائرات المسيرة فوق قاعدته العسكرية في حميميم، وإسقاطها، وقام بتحذير تركيا لتغطيتها الاعتداءات للمجموعات الإرهابية. ومع استشعار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسرعة تطهير القوات السورية للبلدات والقرى في محافظة إدلب، وجّه في الخامس من شباط تحذيراً للقوات السورية بالعودة إلى مواقعها السابقة، في مهلة أقصاها آخر شهر شباط، وفكّ الحصار عن ثلاث عشرة نقطة مراقبة تركية، كان النظام السوري قد حاصرها. إلّا أنّ الرئيس السوري بشار الأسد اعتبر التهديدات التركية فقاقيع لا مكان لها عنده، فما كان من أردوغان إلّا أن نفّذ تهديده ببدء عملية عسكرية قوامها أكثر من اثني عشر ألف جندي مع كامل عتادهم.

وفي الوقت الذي اتّهم أردوغان روسيا بتغطية العملية العسكرية السورية وطالبها برفع الدعم عن النظام الإرهابي في سوريا كما سمّاه، كانت روسيا وسوريا تُحمّلان أردوغان مسؤولية استمرار دعمه ومساندته للإرهابيين في إدلب، من الشيشان، وجبهة تحرير الشام، والنصرة، وعدم التزامه اتفاقيات أستانا وسوتشي الرامية إلى فصل المجموعات الإرهابية عن المعارضة المسلحة، في حين اتّهمت تركيا، الجيش السوري بقتل المدنيين وتهجير أكثر من أربعة ملايين سوري من المنطقة، واعتبرته تهديداً للأمن القومي التركي.

وجاءت أحداث آخر شهر شباط بإغارة المقاتلات السورية على مواقع عسكرية للإرهابيين، تبيّن أنّها للجيش التركي كما ادّعت الجارة، وهي خارج دائرة التوافق بين الطرفين. قتل خلالها أكثر من أربعة وثلاثين جنديّاً، وجرح العشرات، لتردّ تركيا بعشرات الغارات من الطائرات المسيرة والمدفعية تحت اسم "درع الربيع"، التي أسفرت عن سقوط طائرات لكلا الطرفين وقتل عشرات الجنود السوريين وحلفائهم من الايرانيين وحزب الله اللبناني. ومع ذلك فقد استطاع الجيش السوري من تحرير الطريق الرئيس بين حلب ودمشق واستكمال نشاطه العسكري. وفي الوقت الذي كانت الاشتباكات قائمة بين الجيشين، وتلويح روسيا بأحقية سوريا بالدفاع عن أراضيها، مع احترامها للاتفاقات مع الأتراك وتجنب المواجهة المباشرة، سعى أردوغان لمدّ اليد للناتو واسترضاء الأميركان للحصول على الباتريوت، ومهدداً الأوروبيين بفتح الحدود للمهاجرين إلى أوروبا عبر اليونان، مستفيداً من دعم حليفه في حزب الحركة القومية التركية دولت بهتشلي. ومع تحديد موعد اللقاء بين الرئيسين التركي والروسي في موسكو، كان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قد اعتبر أن المحادثات ستكون صعبة، مع الرغبة في تسوية الأوضاع في إدلب. وتجدر الإشارة إلى أنّ تضارب المواقف بين الطرفين في ملفّيْ القرم وليبيا، ما زالت على حالها.

ومع تسارع الأحداث وانكشاف الأطماع التركية في احتلال الأراضي السورية لتحسين شروطها التفاوضية في العديد من الملفات الساخنة، يبقى أردوغان في وضع مأزوم، فهو لم يستطع حسم الصراع مع قسد المدعومة أميركيّاً، ولم يبرّئ نفسه من تعامله مع المجموعات الإرهابية، ولا حلّ مشكلة اللاجئين، ولا حصل على رضى الناتو، وحتى ازدياد المعارضة الداخلية وهبوط العملة التركية.

أردوغان المتورّط في ليبيا اليوم، وفي احتلال الأراضي السورية، موضع إدانة واستنكار ومدعو لمراجعة حساباته بدقة قبل الخسارة الأكبر.

 

  • العدد رقم: 374
`


أحمد داغر