في ذكرى انطلاقة "جمّول"... حرصاً على المقاومة

لم تكن انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "جمول" في 16 ايلول، 1982، أمراً عاديّاً. فقد شكّلت هذه الانطلاقة المفعمة بالجرأة والوطنية، حدثاً تاريخيّاً في مسيرة نضال شعبنا. وبالإضافة إلى طابعها الوطني لبنانيّاً، وعملياتها البطولية ضد العدو الصهيوني المحتل، أحدث دورها تغيّراً نوعيّاً في مسار الصراع العربي ـ الاسرائيلي، وأظهر أنّ بالامكان التصدي لجيش العدو الذي "لا يقهر" وإفشال عدوانه وإسقاط أهدافه.
وهذا ما يشكل عامل ثقة في النضال المقاوم، لتحقيق مطامح شعوبنا العربية بالتحرر، وبخاصة الشعب الفلسطيني المكافح في سبيل حقوقه التاريخية في أرضه ووطنه، ومن ضمنها حق العودة.

ومع اتساع المشاركة في عمليات المقاومة بعد تحرير بيروت، وشمولها قوى سياسية وشعبية عديدة، تحولت إلى مقاومة شعب يحتضن مقاومته ويساند دور مقاوميها قبل وبعد عملياتهم ضد الجيش المحتل. فشكلت، بقدرتها وضرباتها وفاعليتها، ردّاً ظافراً امتدّ من دحر هذا "الجيش" الذي لا يقهر، من عاصمتنا، إلى المناطق اللبنانية الأخرى، وصولاً إلى جنوب الجنوب، الذي اضطر فيه جيش العدو إلى الانسحاب المذلّ في أيار عام 2000، وكان لهذا الانتصار أصداء مدوية، خصوصاً على صعيد الشعوب العربية وأحرار العالم. وقد أتى فشل عدوان الكيان الصهيوني على لبنان عام 2006، ليؤكد أهمية وفاعلية أسلوب المقاومة والصمود الشعبي في إفشال العدوان واهدافه.
واليوم مع استمرار تهديدات العدو الصهيوني، وخرقه المتكرر لسيادة لبنان، جوّاً وبرّاً، وطمعه بثروة لبنان البحرية، وعدائه أصلاً لنجاح مثال التعددية في مجتمعنا، بوصفها نقيضاً لدولته الدينية العنصرية، تبقى المقاومة ضرورة وطنية للدفاع عن لبنان، ومنع عربدة العدو الصهيوني. ويتلازم هذا الدور في وجهه الداخلي، مع مقاومة وإزالة مكامن الخلل والفساد وسياسة إفقار الشعب، وتدفيعه كلفة أزمة اقتصادية ومالية هو ضحيتها.
إن المصدر الأساسي لشرعية وجود المقاومة ينبثق من مشروعية الدفاع عن الوطن ومقاومة الاحتلال. وإن قوة المقاومة، هي باحتضان الشعب لها، والتفاف أوسع للأوساط اللبنانية حولها. وهذا يملي أخذ ذلك بالاعتبار، في كلام وتصريحات أي مسؤول. فليس خافياً أنّ ثمة قوى سياسية تنتظر فرصة لتستغلّها في شن حملات على المقاومة، بهدف التأثير السلبي على الوضع اللبناني وخصوصياته وحساسيته الطائفية والمذهبية.
وإذا كان من الطبيعي الإعراب عن التلاقي والتفاعل بين جميع القوى المواجهة للمخطط الأميركي ـ الصهيوني، الرامي إلى تفتيت بلدان المنطقة، وتمرير "صفقة القرن" لتصفية قضية فلسطين وحقوق شعبها التاريخية، فإن ما يُعتبر انتقاصاً أو مساساً بوضع لبنان كبلد ودولة، لا يتماشى مع تعزيز الوحدة الداخلية، المهتزّة أصلاً، بسبب نظلم التحاصص الطائفي والمذهبي وتناقضاته. هذا علماً أنّ المتحمّسين في الحملة، لم يرَ المراقب حماسهم في شجب الاعتداءات والخروقات الصهيونية والضغوط والعقوبات الاميركية. وحملتهم هذه، التي لا تنفصل عن هجمة الضغوط الأميركية ضد المقاومة، تجري تحت عنوان الحرص على الدولة، وهم لم يبنوا ولن يبنوا دولة حقيقية، ما دامت قائمة على أسس طائفية تجعلها مزارع للطوائف. ويحرمون جيشنا من السلاح اللازم لحماية أجواء لبنان ومنع استباحتها، ويتجنبون السعي بها، كي لا يزعجزوا أميركا الحريصة على تفوق "إسرائيل" علينا وفي المنطقة. وهم يمتنّعون حتى الآن عن الحصول على هذا السلاح من دولة مثل روسيا الاتحادية، مع العلم أنّ المقاومة كأسلوب قتال يختلف عن الجيش النظامي، قد تكون حاجة للجيش نفسه في حماية لبنان.

 

  • العدد رقم: 365
`


موريس نهرا