إنصاف الفاخوري.. إعدامه مرتين

عشية الذكرى السابعة والثلاثين لانطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، ضجّت الساحة الوطنية بخبر دخول جزار معتقل الخيام، العميل عامر إلياس الفاخوري، إلى الأراضي اللبنانية عبر مطار بيروت الدولي، وبجواز سفر أميركي، وهو الذي شغل منصب مسؤول وحدات الحراسة العسكرية في المعتقل، ورُقّيَ إلى رتبة رائد في العمالة والإجرام من أسياده الصهاينة، تقديراً له على ممارساته غير الإنسانية والوحشية تجاه أبناء وطنه الذي خانه لصالح عدوّ اغتصبَ أرضه أكثر من مرة، وشرّد أهله إلى أكثر من مكان.

والعميل الفاخوري، وبحسب بحوث موثقة من قبل الصحافي الزميل داوود رمال، هو ابن لعائلة فلسطينية من مدينة حيفا، هجّرتها العصابات الصهيونية في العام 1948، واستقرّ بها الرحال بعد التشرّد في إحدى قرى الجنوب اللبناني، وحصلت على الجنسية اللبنانية في مراحل مبكّرة، كالعديد من العائلات الفلسطينية الميسورة أو المحظيّة لأسباب مختلفة.
وهنا يتبادر إلى الذهن أكثر من سؤال، أوّلها، ما إذا كان توقيت عودة العميل الفاخوري قبل أيامٍ من ذكرى انطلاقة "جمول" هو توقيت مقصود لتسجيل هدف معادٍ في مرمى وطن المقاومة والشهداء؟! أم أنه طعم دسم مغرٍ لانقسام قديم جديد بين مشروعين متهادنين حاليّاً في سلطة تحاصصية واحدة رغم تناقضهما الجذري؟ أعني بهما بصورة عامة: مشروع التماهي مع السياسة الأميركية والغربية بشكلٍ عام، والذي لا ينظر إلى المشروع الصهيوني نظرة عداءٍ وجودي؛ والآخر هو المشروع المقاوم والممانع القاصر حتى الآن وبسبب تركيبته وطبيعته، عن رؤية العلاقة الجدلية بين عمليتي التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي والترابط بينهما. أم أن العميل الفاخوري، الساقط في وحل الخيانة الوطنية، والغارق في جرائم القتل والتعذيب بأوامر من المحتل ولصالحه، وما يعنيه ذلك من خضوع تام لإرادة سيّده، وعدم قدرته على التخلص من ابتزازه، أو التراجع عن خدمته وولائه إن فكّر بذلك، يعود إلى لبنان كخطوة استطلاعية لدسّ نبض الشارع الوطني المقاوم. وما إذا كان قادراً على لجم مشروع عودة العملاء الذي يعمل عليه خارجيّاً وبتواطؤ داخلي، تحت مسميات تحريفية خطرة ليس آخرها ما صرح به وزير الخارجية اللبنانية قبل أسابيع قليلة عن ما يُسمّى بـ"المبعدين إلى إسرائيل". وقد ظهرت خطوة إعادة العميل الفاخوري وعدد من أمثاله كخطوة تطبيقية لذاك الخطاب، بعد أن تم تسليح هذا العميل بالجنسية الأميركية كغطاء حصين، يتقاطع مع جهود حثيثة قامت بها بعض الجهات المتنفذة داخل أجهزة الدولة لتنظيف ملفه وإسقاط الأحكام الصادرة بحقه وبحق أشباهه، ما وضع علامات استفهام كبيرة وخطرة عن تلك الجهات وارتباطاتها المشبوهة.
ومن دون انتظار الإجابة عن تلك الأسئلة، ولأنّ في عودة هذا العميل المثقل بجرائمه شيئاً من الوقاحة والاستفزاز لمشاعر أحرار ومقاومي هذا الوطن كافة، كان التحرك الشعبي السريع الأول أمام قصر العدل في بيروت الذي بادرت للدعوة له هيئة ممثلي الأسرى والمحررين يوم الخميس في الثاني عشر من الشهر الجاري (أيلول) بعد وقت قصير على شيوع خبر وجود العميل الفاخوري في بيروت، لا سيّما وأنّ عدداً كبيراً من الأسرى المحررين كان ضحية مباشرة لهذا العميل المجرم. وقد استُكملت هذه الصرخة بتحرك جماهيري أوسع يوم الأحد في الخامس عشر من الشهر الجاري في معتقل الخيام، شارك فيه إلى جانب الأسرى المحررين عددٌ كبير من عوائل الشهداء، لا سيّما عوائل الشهداء الذين سقطوا نتيجة التعذيب على أرض المعتقل الذي كان يحكمه العميل العائد. كما شارك في الاعتصام حشدٌ كبير لم يشهده المعتقل منذ التحرير عام ألفين، من الشخصيات السياسية والإعلامية والوطنية يتقدمهم الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب الذي أطلق مع عوائل الشهداء الحاضرين مشروع المحاكم الشعبية للعملاء، وطالب بإعدام جزار الخيام في ساحة المعتقل ليكون عبرة في المكان الذي مارس فيه وحشيته التي أدّت إلى استشهاد عدد من الأسرى، ومن بينهم الشهيد علي حمزة الذي لفّ العميل الفاخوري، وبحسب شهود عيان، الحبل على عنقه بعد موجات قاسية من التعذيب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ثم نقله بسيارته إلى جهة مجهولة ليحرم أهله حتى الآن من معرفة مكان جثة ابنهم الشهيد.
واستكمالاً لهذه التحركات الشعبية الميدانية، بادر عدد من الأسرى المحررين وبمشاركة عدد من المحامين، معظمهم من المتطوعين، إلى تقديم دعاوى شخصية ضد العميل الفاخوري تفند الجرائم التي ارتكبها من قتل وتعذيب واعتقال وإخفاء لجثة أحد الشهداء، وغيرها من الجرائم... ورفضاً للتدخل الأميركي السافر في القضاء اللبناني وتحصيناً له، شارك العشرات من عوائل الشهداء والأسرى المحررين وحشد من المتضامنين في الاعتصام الذي أقيم يوم الثلاثاء في السابع عشر من الشهر الجاري أمام المحكمة العسكرية في بيروت بالتزامن مع جلسة الاستجواب للعميل الفاخوري، والتي سبقها تهديدٌ أميركي وقح للبنان ترافق مع حضور وفد من السفارة الأميركية إلى المحكمة العسكرية محاولاً الدخول إلى قاعة المحكمة، وأقلها محاولة التأثير في قرار القضاة بمجرد وجودهم أمام المحكمة!
إن التخوف من تراخي القضاء اللبناني، لا سيّما العسكري منه، والتدخلات السياسية المشبوهة في محاكمة هذا العميل وأمثاله، يحتم علينا أن نكون على أهبة الاستعداد لانتزاع المبادرة من جديد لمحاسبة هؤلاء العملاء بالطريقة التي تليق بهم كما كانت في زمن الاحتلال الصهيوني المباشر لأرضنا، لنؤكد مجدّداً أن أيدي المقاومين ستبقى أطول من أن تمنعها حصانات أجنبية لمجرمي الحرب العملاء وعلى رأسهم الخائن عامر الفاخوري الذي يجب أن يعدم مرتين، واحدة لخيانته فلسطين وشعبها الأبي، وأخرى لتكرار الخيانة للبنان وشعبه المقاوم. وأعذر من أنذر.

 

  • العدد رقم: 365
`


أنور ياسين