ينتهي العام وتستمر الازمات

مع ان اللبنانيين معروفون بحبهم للحياة ولأجواء الاعياد والفرح، وباستقبال العام الجديد بالتفاؤل والامل، وإسعاد اطفالهم بالهدايا والثياب الجديدة، وبتلاقي العائلات حتى الذين باعدتهم ظروف العمل والحياة عن بعضهم في لبنان وخارجه، فان ميزات اللبناني هذه وقيمه الاجتماعية لم تتغير، إلا ان ظروف حياته وامكانياته المادية هي التي تغيرت.

فبالاضافة الى الاحساس بالالم الشديد اليوم، بسبب كوارث الحرب الاجرامية التي يشنها العدو الصهيوني على غزة وفلسطين والجنوب اللبناني، ومشاهد تدمير المباني والاحياء بالجملة على رؤوس المدنيين يومياً، وبخاصة الاطفال والنساء، وهدم المستشفيات والمدارس ودور العبادة، فإن وحشية هذه الحرب ليست ضد فلسطين فقط وانما ضد الانسانية.
الى جانب ذلك فإن الاوضاع الداخلية اللبنانية المتدهورة ومآسيها، تطال كل عائلة لبنانية، وخصوصاً من العمال وذوي الدخل المحدود وجمهور الطبقة الوسطى. فثمة ما يزيد عن 80%من اللبنانيين يعيشون حول خط الفقر وقسم كبير منهم ، تحت هذا الخط. والكثير من هؤلاء يفتقدون الى ثمن الدواء. وعديدون يفقدون حياتهم لعجزهم عن تكاليف الاستشفاء. ويعيش اطفالهم في ظل الحاجة الى الغذاء اليومي الطبيعي. فيعمد كثيرون الى انقاص الوجبات اليومية. ومن المصائب العامة والاساسية لشعبنا، مصادرة البنوك لودائع مئات الوف الناس، الذين جمعوها بعرق جبينهم وجنى عمرهم، ليستندوا اليها في عمر الشيخوخة او عند الحاجة، اضافة الى فقدان الكثير من مقومات الحياة، وانتشار التعطيل عن العمل، وتدهور القدرة الشرائية لليرة وتراجع قيمتها إزاء الدولار الاميركي 60 مرة ان لم يكن اكثر، دون تصحيح للاجور حتى باقل من خمس هذه النسبة.
يترافق كل ذلك مع تحلل الدولة، وشلل السلطة حتى في الخدمات البسيطة ، وطغيان الفساد والطابع المافياوي في تعاطي الطبقة السلطوية مع الدولة، واستمرار الخلافات والتناقضات بين اطرافها، ليس حيال رؤى وبرامج حلول للوضع المأزوم والمتدهور اقتصادياً واجتماعياً ومالياً، بل حول المصالح الخاصة والحصص والمواقع لكل منهم. فلا ينطلقون في تعاطيهم مع الدولة على اساس انها المرجعية الاساسية الناظمة والمسؤولة عن شؤون الشعب والوطن، بل باعتبارها بمثابة شركة تمتلك اسهمها طوائف تختزل بزعمائها.
وفي مواجهة الاستياء الشعبي من حالة الفساد والانهيار، وتصاعد التحركات الجماهيرية الضخمة وخصوصاً انتفاضة 17 تشرين المليونية، ومطالبتها باسقاط النظام وطبقته السلطوية، تلجأ هذه الطبقة بتواطؤ بين اطرافها المختلفين ، الى القمع الرسمي والميليشياوي لاضعاف وضرب هذه الانتفاضة، واستخدام سلاح الطائفية، لتضليل الشعب بافتعال ما يخلق عصبيات وانقسامات عمودية، لطمس حقيقة الصراع بين الشعب والسلطة ونظامها ، وجعله صراعاً بين جمهور هذه الطائفة وتلك.
وإزاء هذا الوضع الشديد الصعوبة والتعقيد، لا تعود بعض المحاولات والزينة في ساحات واماكن عديدة على جماليتها، كافية كي يشعر الجميع بالعيد، وبخاصة الاطفال الذين هم زينة العيد، والفرح لهم ولأهاليهم. ويمكن التأكيد ان العيد لا يمر على اكثريتهم والفارق كبير بين التفرج على العيد وبين من يستطيع الفرح والاستمتاع به. فابناء القلة الميسورة، واصحاب الثروات، يستطيعون تمضية فرصة العيد في اي مكان. بما في ذلك في اوروبا. بينما الفقراء في بيوتهم التي تحتاج لنور الكهرباء والشمس.
ان ما كشفته التجربة هو ان استمرار نفس الطبقة السياسية السلطوية ونظامها التحاصصي الطائفي، سيبقي الوضع المأساوي في بلدنا على حاله، والاكثرية الكبيرة من شعبنا في وضع شديد الصعوبة وفي حالة عوز وقلق تجعل اطفالهم بعيدين عن فرحة العيد. وليس من تغيير جدي في انتخاب رئيس للجمهورية وحكومة كاملة الصلاحيات، على ضرورة ذلك. فقد كان للبنان رؤساء وحكومات وبقيت الحلول الفعلية غائبة. فالحل الحقيقي يرتبط بدور الشعب وبتعاظم حركته في الشارع، وفي صندوق الاقتراع، اذا توفر قانون انتخاب نسبي ولا طائفي وفي الدائرة الوطنية. فالاطراف السلطوية الفاسدة والتي تحتمي بالنظام الطائفي، لن تحقق حاجة شعبنا وبلدنا الى بناء دولة ديمقراطية وعلمانية وعدالة اجتماعية، قادرة على حماية لبنان من مطامع الصهيونية والامبريالية. فالجماهير هي التي تصنع التغيير، الذي به تتوفر للاطفال واهلهم مقومات العيد.