عن حبّ عتيقها، العائد يوماً

نتنقّل بين أزقّة بيروت العتيقة، مشاهدين حجراً قديماً يكاد يتكلّم مع نظيره الحديث. تلك القنطرة تذكّرنا بنبذات رسمٍ على الحيطان، بصوَرٍ من هواتف قديمة، والكثير من الحب.

قرميدُ حبّنا العتيق لبيروت يكادُ يختصرعمرنا، وتوقنا إلى حداثة تشبه ماضيها الجميل. العصر الذهبي؟ ربما. لكن تذكّر عزّ تراثها، مبانيها الأثرية، والناس التي زيّنت ذلك العصر، خطر. أليس كلّ عصر ذهبي من الماضي غير عائد؟ إذاً ماذا نسميه إن كنا نريد عودته؟ لا نسميه. من دون ألقاب تكتسب الأشياء والناس معانيها أكثر. ماذا لو حرّكنا جمود بيروت المريب أحياناً في خيالنا لتتراءى لنا كصوَرٍ متحركة تكاد تشكّل فيلماً قصيراً؟

مدينة تتحرك؟ كيف ذلك؟ سهل. نكتب لبيروت، عنها، ومعها. تلك علاقتنا المتغيّرة ومشاعرنا الممزوجة بالبناء الذي يشبهنا، نحن الناس، والآخر الفارغ من الحياة والناس. في كل صورة على صفحة عبر انستغرام كرّستها لبيروت، أحاول درس علاقتنا معها في التنقل بين الحقيقي والزائف.

في ذلك الفيلم القصير في بالنا، نُصبّح على أحد الأصدقاء قرب أحد بيوت القرميد المهجورة في منطقة عين المريسة في بيروت. فمَن مِن الأجيال المتعاقبة لم يختبر مع أصدقائه أيّ حادثة قرب مبنى قديم في بيروت لتصبح ذكرى؟

أما هذا الحديث بين صديقين، فيأخذ معاني الموسيقى المختارة في نزهات الأصدقاء، وفرقة هوبستانك (فرقة موسيقى روك) المفضلة لهذين الصديقين. بينما كانا يمرّان بجانب ذلك البيت التراثي، اسْتعادا الألحان القديمة، والصوَر التي رافقتهما في بيروت. ضحكا ضحكاتٍ بسيطة متذكرّين لباس السباحة المنقّط. كانا يشاهدان الناس تسبح فيه على ذلك الشاطئ. ألوانٌ زاهيةٌ في شطٍّ بحريّ كان عامّاً في يوم من الأيام. يقرّران السباحة بعد ذلك الحديث، ربما ذهبا إلى بحرٍ بعيد عن بيروت. فذلك القريب سُرِق من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، والمسابح المتبقية تبعد الناس عنها طوعاً لأسعارها الباهظة. المدينة ذكرياتٌ وقصصٌ وموسيقى تسكن بين الأزقة والسيارات المتهالكة.

أمّا قصة حبيبين كانا يلتقيان قرب البيت عينه، كانت مختلفة. ما إن رأى أحدُهما الآخر حتى ناداها، لتتوقف للحظةٍ قرب زاوية صدئة، على الأرجح أصبحا يحبّانها! يستمع الحبيبان للفرقة نفسها، كمن سبقهما إلى البيت ذاك النهار، إلا أن ذكرياتهما في البيت اعتمدت على حبّ سطوح بيروت.

نمشي في مدينتنا، نركض. ونسألها ما في بالنا. أول سؤال حين تطأ قدمنا بيروت يوميّاً "كيف حالك يا بيروت؟" تبدو حزينة بعض الشيء لزوال الحياة منها. وفي أيام أخرى، حين نجد المعنى العميق، تبادلنا بالعنف عينه. نتذكّر بيوت بيروت القديمة، أين هي؟ في أية زاوية؟ علامَ تطل؟
ناطحاتُ سحابٍ بقيَ لها مساحة قليلة لتطبق السماء علينا. عن أي مشاعر لبيروت نتكلم هنا؟ تلك الداكنة الملبّدة؟ نقود السيارة في زحمة السير، كارهين ما نرى أمامنا وصانعين في بالنا ما يحلو لنا من المدينة. نحاولُ لملمةَ علاقتنا المتكسّرة مع المدينة، فنلتقط الصور التي تظهرها على وجهٍ أجمل.
هناك وردة حمراء سأرميها على بيروت اليوم، ربما تبتسمُ قليلاً وتلملمُ جراحها وكلّ تصميمٍ لا يشبهها. نريد إزالة التصنّع من مدينتنا، فكلما اعتمدَتْه المدن، كلما انعكس على البشر.

ماذا نريد لمدينة صارعت الحداثة غير الآخذة بعين الاعتبار لبْ المدينة ولا تزال؟ فقط أن تخلقَ شمسَها من جديد، فلا تقصي أحداً. نريد مدينتنا الجامعة، بحجرها وبشرها، لنا، لا للـ2٪ الذين يتمتعون هم بها داخل بيوتهم باهظة الثمن. تلك كانت محاولة كتابية بسيطة عن بيروت وحب عتيقها، العائد يوماً.

 

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 359
`


زينة ناصر