العيد الستين للحزب وَبَعْـــــــد.. فـــــــإلى الفَـــــــرح الأكبر
فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..
دعا أيزنهاور، أول أمس، في رسالةٍ إلى المنظمة الصهيونية العالمية، عشيةَ احتفالها بالذكرى المئوية لمؤسس حركتها تيودور هرتزل- دعا إلى "صلحٍ عادلٍ ومنتِج" بين العرب وإسرائيل !..
إنّ الدعوةَ هذه لا يرقى شأنُها إلى أكثرَ من درجةِ "الخرافة" الأميركية المعهودة..
و"الخرافةُ" في الدعوة انها تريد "الصلح" بين المسلوب والسالِب، بين المغتصَبِ حقُّه والغاصب، هذا أولاً... وأما ثانياً "فالطرافةُ" الممتِعة أنّ صاحبَ الدعوة لهذا "الصلح" هو نفسُ الذي يضعُ العصا بيد السالِب الغاصب، وهو نفسُه الذي يحمي عصابةَ السلب والاغتصاب، وهو نفسُه الذي يمنحُ العصابةَ هذه "شهوةَ" الإستطالة والتضخم والاكتناز، و"قابليةَ" الرسوخ في الأرض المسلوبة المغصوبة...
***
ولكن "الأطرف" من هذا وذاك، أن يكونَ "الصلحُ" الذي يدعو إليه الرئيس الأميركي، صلحاً "عادلاً " و"منتجاً"..!
فالمعروفُ المألوفُ في أذهان الناس غيرِ المستعمرين وغيرِ الصهيونيين، أن العدلَ في قضيةِ السلبِ والاغتصاب هو إرجاعُ الأسلابِ إلى أهلها الشرعيين...
والرئيس الأميركي يقصدُ "العدلَ" الذي يثبتُ أيدي السالبين على ما سلبوه... ويقصدُ "الصلحَ" الذي يُعطي هذا "العدلَ" صفةَ الشرعيةِ والبقاء، تحقيقاً وتجسيداً لكلمته المأثورة: "إسرائيل وُجدتْ لتبقى"...!
فالطرافةُ في "عدل" هذا الصلح " الذي يدعو إليه أيزنهاور، هو هذه المفارقةُ الأميركيةُ المبدعة... هو هذه المناقضةُ بين عدلٍ إنساني يقضي بإرجاعِ الحقِ إلى أهله، وعدلٍ استعماري صهيوني يعني إقرارَ الغصب وإنماءَه واكتنازه على حساب أهل الدار وذوي الأسلاب...
***
غير أنّ ايزنهاور لم يترك هذا الأمرَ دون تفسير، حبن أضاف إلى صفةِ "العدل" في "صلحِه"، صفةَ “المنتج"...وكلمةُ "المنتج" هذه هي التفسيرُ المطلوب...
فإنّ "صلحاً" بين العرب وإسرائيل، يكون "العدلُ" الاستعماريُّ أساسَه وجوهرَه، لا بدّ أن يكونَ "منتجاً"، ولا بدّ أن يكونَ "إنتاجُه" ربحاً للاستعمار الأميركي قبل غيرِه، ثم لا بدّ أن يكونَ هذا الربحُ سلباً جديداً لحقِّ العرب واستقلالهم وثرواتهم...
***
والمسألة في "صلحِ" ايزنهاور "العادل"... "المنتج" هذا، يبدو أنها ليستْ مجرد دعوة يدعو إليها في رسالةٍ موجّهة على المنظّمةِ الصهيونية العالمية بالذات...
بل المسألة، كما يبدو، هي أنّ الرئيس الأميركي يبشِّر المنطّمةَ الصهيونيةَ بالأمر وكأنه في مستوى الأمر المقرَّرِ وقوعُه عند الرئيس، وعند بعض الذين تعنيهم القضيةُ من حكّام العرب!...
فالرئيس ايزنهاور يقول برسالته: "... وفي استطاعتنا، نحن كأميركيين ان نساهمَ أكبرَ مساهمة في تحقيق هذا الهدف ــ أي " الصلح العادل المنتج" ــ بتشجيعنا على خلق جوٍّ من التفاهمِ المشترك والإرادةِ الحسنة بين شعوب تلك المنطقة"..!
وظاهرٌ أنّ كلمةَ "شعوب" قد حشرها الرئيس الأميركي هنا، وهو يقصد بها "الحكام"...
فهل يصحُّ أن يستنتجَ المرءُ من هذا الكلام عن "جو التفاهم المشترك" أنّ الرئيس الأميركي قاله هكذا، بمثل هذه الثقة، وفي ذهنه تلك التطوراتُ الجديدة التي قاربتْ بين القاهرة والرياض وعمان ..؟
سؤالٌ يفرض هو نفسَه بعد تصريح الرئيس الأميركي ايزنهاور في مثل هذه الظروف العربية بالذات، ولسنا نحن الذين نفرض هذا السؤال!.
* نُشرت هذه المقالة للشهيد المفكر حسين مروة في جريدة "النداء" ـ زاوية "مع القافلة" بتاريخ 13 أيلول 1959 .
... وكأن المقالةَ هذه تُكتبُ في وقتنا الحالي بفارقٍ زمني (ستين سنة وبضعة أشهر)، فيتكرّر المشهد باستبدال اسم الرئيس الأميركي أيزنهاور بالرئيس الحالي ترامب في دعوته إلى " صفقة القرن" المشؤومة ..... ولا فرق في أسماء جميع من حكم أميركا من الرؤساء وأخطرهم الرئيس الحالي ... (هـ. م.)
فإلى الفرحِ الأكبر يا شعبَنا، يا حزبَنا، يا شهداءَ شعبِنا وحزبِنا .. يا أبطالَ المقاومةِ الوطنيةِ اللبنانية في ساحاتِ وطننا ..
هوَ ذا عام ينقضي.. فهل كان عامَ نكسةٍ عربية كلَّه، كما كان بعد حربِ الأيام الستة السودِ من حزيران؟...
عليْنا أن نحسبَ الآن، لنعرفَ حصيلةَ الحساب:
حقاً أننا واجهنا حينذاك عدواناً إسرائيليَّ الوجهِ واليدِ والراية، أميركيَّ الإرادةِ والخنجرِ والعتاد، إستعماريَّ القصدِ والهدفِ والتكتيك..!!
وحقاً أننا شربنا كأسَ الهزيمةِ حتى الثمالة في مواجهةِ هذا العدوان..!!