عاش للتغيير عمراً"، القائد الذي لا يخشى الحلول الجذرية

مع كلِّ عام يمضي على ذكرى استشهاد جورج حاوي توضِّح التطوّرات في لبنان معنىً جديداً من أن فكره السياسي والاجتماعي الإصلاحي لا يزال حاضراً في الأحداث بوصفه بوصلة لخلاص البلد من براثن دولة المزرعة وتحالف حيتان المال والاستغلال الطائفي. وهذا العام تزامنت ذكرى استشهاده الـ ١٥ مع رحيل رفيق نضاله الطويل محسن إبراهيم.. وكلا المناضلين يشتركان في أنهما أضافا لحركة اليسار في المنطقة وليس فقط في لبنان آفاقاً جديدة نضالية وفكرية وسياسية.

جورج حاوي القائد.. وجورج حاوي الرفيق أبو أنيس.. وجورج حاوي الذي شقّ بدايات المقاومة الوطنية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي والمناضل الذي سعى لبناء المشروع الوطني الديموقراطي في لبنان، هو يقيم اليوم في حناجر انتفاضة ١٧ تشرين وأحاله مشعلاً يضيء قمراً في عتمة عذابات الفقراء وقبضة تحفّز همم المواطنين المنتفضين لبناء دولة العدالة الاجتماعية في لبنان.

كتب جورج حاوي في أيلول سنة 2000، وكأنه يشخّص الواقع الحالي، ليس بتنبؤ بل لأن شيئاً لم يتغير... عن واجب إيجاد الحلول الملائمة للأزمة الاقتصادية – المالية الاجتماعية الخانقة وإصلاح الإدارة ومحاربة الفساد الذي يزداد استشراءً. واقتراح سبل الخروج منها وفق برنامج ملموس لتطور الاقتصاد اللبناني على المدى البعيد ورؤية للإجراءات القريبة المدى المفترض اعتمادها لمعالجة مسألة الانكماش الاقتصادي وتراجع الدخل الوطني وزيادة المديونية العامة. ولا بد أن يكون للحزب الشيوعي رأي واضح في الأزمة المتفاقمة والبالغة حدّ الانفجار (وها قد بدأ...) واقتراحات ملموسة لسبل الخروج منها واستعدادات جدية للنضال مع جماهير الشعب من أجل إدانة المسؤولين عنها واقتراحاتهم الجديدة في معالجتها، غير اللجوء مرة أخرى الى التدابير التي كانت في أساس تفاقمها. أي زيادة المديونية، التي تؤدّي في البداية إلى بعض الإنفاق المحرّك للعجلة الاقتصادية لكنها تعمق الأزمة أكثر فأكثر وتدفع بالبلاد إلى الإفلاس.

تطرّق جورج حاوي إلى الحريات الفردية والعامة، وصونها والوقف النهائي لكلّ أشكال التضييق على الحريات، ومنع التوقيفات والاعتقالات بسبب أي نشاط سياسي، وخارج إطار أي حكم قضائي. وأن تطوير الديمقراطية يتطلب مؤقتاً الاتفاق على ممارسة سليمة للعلاقة بين السلطات، وداخل كلٍّ منهما، لتأمين مشاركة تخفّف من وطأة الانقسام الطائفي والمذهبي، مع الإسراع في طرح الصيغ الملائمة للتقدم على طريق إلغاء الطائفية السياسية، وبناء مجتمع علماني ديمقراطي يقوم على المساواة في الحقوق والواجبات، بما في ذلك المساواة التامّة بين المرأة والرجل، والحقوق الكاملة للشباب والجيل الطالع، واعتماد قانون عصري للأحوال الشخصية، وتنمية كلّ مقوّمات المجتمع المدني، واحترام حقوق الإنسان والمواطن.

أضاف قائلاً: لا بدّ من أن يُرفع الصوت عالياً بوجه "الخصخصة" وضد بيع وهدر أموال الدولة والشعب، حرصاً على المال العام الذي سوف يذهب هدراً، وتبقى الأزمة وتشتدّ... ويجب التصدّي بحزم أقوى إلى محاولات البورجوازية، مدعومة من الوضعين العربي والعالمي، إلى العودة للوراء، وأن يطرح الحزب بديلاً لذلك، برنامجه النضالي الديمقراطي، بجوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية... وأن يقود معارضة شعبية عارمة في وجه أوهام الحلول، محمّلاً أصحابها مسؤوليات المضاعفات الخطيرة التي تعيشها البلاد... ثورة حقيقية للجياع الحقيقيين تتفاعل في المجتمع اللبناني، وحزبنا هو الحزب الوحيد المفترض به تفجيرها وقيادتها. ولكن كيف ومتى...؟ هذا هو السؤال الثوري.

ها قد بدأت الانتفاضة لكن تفتقدك قائداً لكي تستمرّ وتصبح ثورة....

خمس عشرة عاماً والوردة الحمراء تزهر فوق مشاتل كنت سقيتها بالعرق والجهد والنضال الذي لا يتعب ولا يلين.. للذين اغتالوك أبدية الصمت ولك الحياة التي تخلّدها الشهادة.


مقتطف من قصيدة كتبها جورج حاوي:

حسبنا أننا للظلم نقهر...
فذقنا المرَّ سجناً واعتقالاً
شهيد تلو آخر كان يهدر
ولا حرية كتبت لشعب
ولا عدل، ولا وطن تحرّر
بلاد العرب أضحت ألف رأي
وساد عدوّنا فيها وسيطر
وحكٌامْ ليبقوا في الكراسي
تكدّس ثروةً ويعدّ عسكر
تداس كرامة الإنسان قهراً
فرمز الحكم بات اليوم مخفر
يطأطئ للعدو الرأس ذلّاً
وفي ظهر الشقيق يُدّقُ خنجر
نباهي أننا في ذات يوم
جعلنا العلم والإيمان ينشر
وصرنا اليوم جهلاً وانحطاطاً
خسرنا العلم والإيمان نخسر
...
يعود الحزن يغمرني ثقيلاً
شريط العمري يذهب، ثم يظهر
أرى نفسي على المتراس حيناً
وأحياناً خطيباً فوق منبر
أرى وطني، أرى قومي وشعبي
نعاجاً تحت سيف الظلم تنحر
أرى جنبي شهيداً مستجيراً
يناشد من رفاقي من تأخر
معاذ الله أن أرضى بذلٍّ
معاذ الله أن أسجد لقيصر
سأرفض أن أعيش بدون حلمٍ
ولا حلمي تبدّد أو تبخّر
سأبقى ثائراً ما دمت حيّاً
وإن أسقط فعند الناس أُعذَر
سيأتي بعدُ من يرفع سلاحاً
بوجه الظلم للأحرار يثأر
زرعنا والحصاد بدا قليلاً
سيزرع بعدنا ليفيض بيدر
...

 

 

  • العدد رقم: 379
`


نارا حاوي