ما معنى أن أكون شيوعيًا؟

بالنّسبة لي، الشيوعي الحقيقي هو مناضل ضد الإمبريالية والعنصرية والاستعمار الجديد. إنّه شخصٌ يسعى إلى تحقيق المساواة بين البشر على هذه الأرض.

ترجمة: لينا الحسيني


زرت حوالي 160 دولة، وعشت في جميع القارات وأينما ذهبت، شاهدت فظائع النّهب الرأسمالي المستمر لهذا لكوكب.
الأنظمة الرّاسماليّة تجبر البلدان على خوض حروبٍ أهليّة وحشيّة، وتمكّن الشركات المتعدّدة الجنسيّات من النّهب بسهولة. شاهدت الملايين من اللاجئين من بلدان شاركت في دمارها دول تدّعي الحفاظ على حقوق الإنسان...
عاينت ظروفًا غير إنسانية؛ رأيت العمال المستغَلّين في المصانع والمناجم والحقول بالقرب من القرى التي يديرها النّظام الإقطاعي.
شاهدت القرى الصغيرة والبلدات وقد مات سكانُها من الجوع والأمراض أو كليهما، وكلّما عاينت الظّلم، كلّما شعرت بأنّني مضطرٌ للانحياز، للقتال من أجل ما أعتقد أنه يمكن أن يكون عالمًا أفضل.
أخاف إهدار حياتي بالأنانية، وإهمال القيم الانسانية. الكاتب لا يمكن أن يكون محايدًا، إذا كان كذلك فهو جبانٌ أو كاذب.
العيش والنّضال من أجل الآخرين هو أكثر إسعادًا من العيش فقط من أجل المصالح والملذّات الأنانيّة.
إنّني معجبٌ بما قدّمته كوبا للبشرية خلال ما يقرب من ستّة عقود من انتصارها الثّوري.
كوبا تمثّل شيوعيتي.
كوبا تعرف كيف تقاتل، وكيف تحتضن، وكيف تغني وترقص ولا تخون مُثُلها العليا.
هل كوبا مثاليّة؟
لا، بالطبع ليست كذلك. لكنّني لا أنشد الكمال في البلدان أو في النّاس، أو في الثّورات. حياتي الخاصة بعيدة كل البعد عن الكمال؛ كلّنا نرتكب أخطاء ونتّخذ قرارات خاطئة: دول وشعوب وكذلك ثورات..
الكمال يرعبني في الواقع، إنّه باردٌ وعقيم ومتزمّت، وبالتالي غير إنسانيٍّ، بل ومنحرف.
لا أؤمن بالقديسين. الأخطاء البسيطة والعيوب تجعل الناس والبلدان أكثر دفئًا وحبًا وإنسانيّة.
لم يكن المسار العام للثّورة الكوبيّة مثاليًا أبدًا، لكنه كان دائمًا متشبّثًا بأعمق الجذور الإنسانية.
حتى حين تُركت كوبا وحيدة، صمدت ونزفت وعانت وارتجفت من آلامٍ ناتجة عن خيانات لا حصر لها، لكنّها لم تنحرف عن مبادئها، ولم تركع، ولم تتوسّل ولم تستسلم أبدًا!
يقولون في كوبا: "Patria no se vende". الوطن ليس للبيع، وأعتقد أيضًا أنه لا ينبغي بيع الإنسانية أبدًا، وكذلك الحب، لذلك أنا شيوعي!
إنّ الخيانة الحقيقية هي خيانة أفقر الفقراء والأكثر ضعفًا بيننا. بالنسبة لي، تلك الخيانة مخيفةٌ أكثر من الانتحار والموت.
الغرب الرأسمالي فعل ذلك لعقود وقرون؛ كان ينمو ويزدهر من استعباد الشّعوب واغتصاب كلّ شيء على سطح الأرض وتحتها.
لقد أفسد هذا الغرب، معنويًا وماليًا، الملايين من الناس في مستعمراته والدول التابعة، وحوّلهم إلى عملاء وقحين وبلا شفقة.
لقد قام بتعليم وتلقين وتنظيم جيوش ضخمة من الخونة، في جميع أنحاء العالم تقريبًا.
الخيانة والنسيان هما أقوى أسلحة الإمبريالية.
الغرب يحوّل البشر إلى قوادين وخدم، أمّا المنتفضون والمتمرّدون فيتحوّلون إلى سجناء أو شهداء. إنّهم يستبدلون الجمال بصورٍ مليئة بالدماء.
الشيوعية فقط هي التي كانت حتى الآن قوية بما يكفي لمواجهة جوهر أقوى القوى وأكثرها تدميرًا على كوكبنا: الاستعمار، الإمبريالية الغربية، الإقطاعية، العصابات الرّأسمالية والدينية من النخب المحلية في البلدان المحتلّة والمدمّرة في جميع أنحاء العالم.
بالنسبة لي، أن أكون شيوعيًا حقيقيًا يعني الانخراط في الكفاح المستمرّ ضد الاغتصاب المستمر للعقول البشرية والأجساد والكرامة، وضدّ نهب الموارد والطبيعة، وضد الأنانية وما يترتّب على ذلك من الفراغ الفكري والعاطفي.
يقول المروّجون للرأسمالية الغربية: "أرنا مجتمعًا شيوعيًا مثاليًا!"
أجيبهم: لا يوجد مجتمع مثالي. البشر، غير قادرين على خلق أي شيء كامل، لحسن الحظ!
المتعصبون الدينيون فقط هم من يهدفون إلى الكمال. سيموت البشر من الملل في عالمٍ مثالي.
قال تشي غيفارا ذات مرة: "التّضحيات التي تم تقديمها لا ينبغي أن تظهر كبطاقة هوية. إنها ليست إلا تعبيرًا عن الوفاء بالالتزامات".
ربما، فات الأوان لترسيخ تلك المفاهيم في الغرب. لقد تمّ حقن الأنانية والسّخرية والجشع واللامبالاة بنجاحٍ في الوعي الباطن لغالبية النّاس.
لهذا السبب، على الرغم من كل تلك الامتيازات المادية والاجتماعية، يبدو أنّ سكان أوروبا وأمريكا الشمالية (وكذلك اليابان) يعانون من الاكتئاب والتّشاؤم.
إنّهم يعيشون لأنفسهم فقط على حساب الآخرين. إنهم يريدون المزيد والمزيد من السّلع المادية والمزيد من الامتيازات لهذا السبب يكرهون الشيوعية. لهذا السبب يتمسكون بالأكاذيب التي تعمل على ترويجها أنظمتهم.
الشيوعية هي ضميرهم السّيئ، وهي تثير مخاوفهم من انكشاف أكاذيبهم في يومٍ من الأيام.
معظم النّاس في الغرب الرأسمالي، حتى أولئك الذين يزعمون أنهم ينتمون إلى اليسار، يتوقون إلى زوال الشيوعية. يريدون تشويهها وتغطيتها بالقذارة، وإنزالها إلى مستواهم وخنقها.
إنّهم يحاولون بشدة إقناع أنفسهم بأن الشيوعيّة خاطئة. خلاف ذلك، فإن المسؤولية عن مئات الملايين من الأرواح المفقودة ستطاردهم مدى الحياة.
تقمع الأنظمة الرّأسمالية بقوّة أولئك الذين يجرؤون على الحلم بالتحرّر.
ترتّب لانقلابات ضد الحكومات المتمردة وتزعزع استقرار الاقتصادات وتدعم المعارضة أو تشن الغزوات بشكلٍ مباشر.
قبيل رحيله، قال لي الكاتب والثوري الأوروغواياني العظيم، إدواردو غاليانو: "قريبًا سيأتي وقتٌ، وسيُعيد العالم رفع لافتات قديمة مرّة أخرى!"
يحدث ذلك الآن!
في أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، وآسيا، وفي جميع أنحاء الاتحاد السوفياتي السّابق والصين تقريبًا، يطالب النّاس بالشيوعية وليس تقليلها.
إنّهم لا يسمون الشيوعية دائمًا باسمها، لكنهم يطالبون بجوهرها وما تصبو إليه: الحريّة والتّضامن والعاطفة والحماسة والشجاعة لتغيير العالم والمساواة...
ليس لديّ أدنى شكٌ في أنّنا سننتصر، لكنّني أظنّ أيضًا أنّه قبل أن يحدث ذلك، ستغمر الإمبريالية قارات بأكملها بالدّماء.
رغبة الغربيين في الحكم والسّيطرة مرضيّة. إنّهم مستعدون لقتل الملايين ممّن لا يستسلمون.
لقد قتلوا بالفعل مئات الملايين على مرّ القرون، وسوف يضحّون بملايين آخرين.
لكن هذه المرّة، سيتمّ صدُّهم.
اؤمن بذلك وكتفًا بكتف مع الآخرين، أعمل ليلًا ونهارًا على تحقيق ذلك.
لأنّه واجبي... لأنّني شيوعي!

 

*(أندريه فلتشك، فيلسوف وروائي أميركي ومنتج أفلام وصحفي استقصائي، توفي في 22 سبتمبر 2020)