وفي حقيقة الأمر، إنّ مسار أي انتفاضة هو مسار متعرّج، لذلك إذا كانت الموجة الأولى من التحرّكات قد انتهت، فهذا لا يعني ألّا تليها الموجة الثانية والتي ستكون أشدّ عنفاً وجذريةً من الأولى. تتفاقم الأزمة الاقتصادية يوماً بعد يوم ويستمرّ معه عدم استقرار سعر الصرف مقابل الدولار الأميركي، وارتفاع أسعار المنتوجات، وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين كنتيجة لتقلّص أجورهم أو الغلاء أو عدم مقدرتهم على سحب إيداعاتهم من المصارف، بعد أن عمدت الأخيرة إلى وضع سقوف متدنية للسحوبات بدأت تتضاءل أسبوعاً بعد أسبوع. مسار الأمور، وإن كان يشي بأنه سيكون مساراً تصاعدياً لحين انفجار الموجة الثانية، إلّا أنّه لا ينبغي علينا أن ننتظر مسار الأمور في تطوره المنطقي كما حدث في الفترة التي سبقت لحظة الانفجار في ١٧ تشرين الأوّل/أكتوبر، بل يجب علينا العمل من أجل تسريع الظروف المؤديّة للانفجار الاجتماعي عبر ممارسة أقصى أساليب الضغط والمواجهة. إنّ مهمة حزب الطبقة العاملة هي تثوير الجماهير وتهيئة الأرضية المناسبة لخوض الصراع الطبقي بمداه الأوسع. عمليّاً وفي حالة الانتفاضة اللبنانية هذا يعني ألّا نبقى متفرّجين على الواقع الآخذ بالانحدار بل المساهمة في تغييره إلى حين بلوغ اللحظة الثورية وذلك عبر الوسائل والأدوات الآتية:
أولاً: في الخطاب السياسي
ظهر في الفترة الأخيرة ميلٌ واضحٌ لدى قسم كبير من مجموعات الانتفاضة بتركيز الاعتراض على المصارف كونها الأداة الأساسية التي تُمارَس عبرها اليوم الحرب الطبقية ضدّ اللبنانيين. مع الإقرار بصحة هذا الافتراض من دون أدنى شكّ، إلّا أنّه يجب دوماً ربط المعركة بالسياسة من دون إقامة فصل بينها وبين البنى التحتية في المجتمع. إنّ الطبقة المهيمنة اقتصاديّاً هي الطبقة المسيطرة سياسيّاً، لذا وفق هذه المقولة، فإنّ الاشتباك الأساسي ينبغي أن تكون حلبته في الحقل السياسي. المصارف في هذه الحالة تشكّل فرعاً مالياً للسلطة الحاكمة وهناك الفروع السياسية والأمنية والإدارية الأخرى التي تشكّل عصب الدولة أيضاً وفيها يجري الصراع السياسي.
ثانياً: في أدوات العمل
تستمرّ الندوات الحوارية في مختلف ساحات الاعتصام وإن كانت وتيرة انعقادها تختلف بين منطقة وأخرى. علينا الاستمرار بعقد هذه الندوات لما لها من أهمية على مستوى التثقيف والتعبئة الجماهيرية، إلّا أنّ المطلوب إشراك أوسع فئات المجتمع اللبناني فيها. لذلك من المفترض أن يُصار إلى عقد الحلقات الحوارية هذه في مناطق التجمّعات الشعبية من أجل التأثير في جماهير الأحزاب الطائفية وعدم التعامل معها وكأنها جماهير معزولة، بل هي الجماهير التي يُراهن عليها في عملية التغيير بعد إحداث التغيير في وعيها. لذلك، وإن بدت هذه المهمة مهمةً صعبة، يجب علينا إيجاد الأطر المناسبة لخلق أرضية حوار ونقاش بين هذه الفئة في المجتمع.
وقد شكّل الطلاب الثانويون والجامعيون عصب تحركات انتفاضة ١٧ تشرين الأوّل/ أكتوبر، إلّا أنّ دورهم بات يتضاءل شيئاً فشيئاً مترافقاً مع خفوت وهج الانتفاضة. انطلاقاً من هنا، يجب التفكير في كيفية إعادة هذه الفئة إلى صلب العمل السياسي داخل حرم الجامعة وخارجها وهنا يأتي دور قطاع الشباب والطلاّب في الحزب الشيوعي اللبناني واتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني. إذ إنّ مسؤولية القوى المؤتمنة على تمثيل مصالح الطلاب اليوم تكمن في تكتيل الطلاب وراء برنامج نقابي- مطلبي يخصّ الحلول التي يجب توفيرها لطلاّب الجامعة الوطنية والجامعات الخاصة على حد سواء. أمّا المسؤولية الثانية فتكمن في خلق الربط بين قضايا الطلاب ومشاكلهم على صعيد الجامعة والقضايا الاقتصادية- الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع ككل في محاولة للقول بأنّ الطبقة السياسية هي المسؤولة عمّا آل إليه الوضعان، وبالتالي حثّ الطلاب على مجابهتها بكافة الطرق والوسائل.
وأفضت انتفاضة ١٧ تشرين الأوّل/ أكتوبر إلى بروز تجمعات نقابية جديدة سيكون لها دور إيجابي حتماً على صعيد إحياء العمل النقابي في البلد (راجع مقالة: ثلاثية النظام والدولة والمجتمع) إلى جانب تفعيل الأطر القديمة. إنّ هذه الأطر ستوفّر مساحة للعمل الوطنيّ المطلبيّ وتعيد الزخم إلى النقابات بوصفها أداة من أدوات خوض الصراع الطبقيّ. وهذا الأمر يحتّم على الشيوعيين المنخرطين في الانتفاضة إقناع المواطنين بضرورة الانتساب إلى نقابات ورفع مستوى وعيهم النقابي حول موضوعات عامّة وأخرى خاصّة تتعلّق بواقع قطاعهم المهني. وهو ما يتطلّب انخراطاً أوسع في النقابات وعقد ورش العمل وخلق لجان عمالية في كل منطقة/ قطاع/ مؤسسة بحال تعذّر إنشاء النقابات. وهنا المسؤولية الأساس تقع على عاتق الحزب الشيوعي ومنظماته الجماهيرية المعنية بهذا الملف.