معركة المصير: بين الاستعباد أو التحرر في لبنان وفلسطين والمنطقة

لم يهضم الاميركي ما وصلت اليه الأمور في منطقة الشرق الاوسط من متغيرات، بعد التمدد الإيراني وتأثيره في المنطقة العربية، والتمركز الروسي بقوة في سوريا، وتنامي الدور الصيني بشبكة علاقاته العربية، وصولا لإعلان بكين.

الفشل الاميركي في إبقاء السيطرة الآحادية على المنطقة، إضافة إلى الازمة الاقتصادية العالمية ثم كورونا، والنزاع بين الصين واميركا، وبين الروس من جهة واميركا والناتو من جهة ثانية في اوكرانيا. ثم تعاظم الفعل المقاوم المحوري في لبنان وفلسطين واليمن والعراق على حساب تراجع الثقل الرجعي العربي وأنظمة التطبيع. كلها عوامل ساهمت في إنضاج خطة الهجوم الاميركية، وإنتظار الفرصة المناسبة لإستعادة هيمنتها بقوة. خصوصاً، بعد تهيئة خارطة القضم والضم والفرز في فلسطين والمنطقة عبر مشروع الشرق الاوسط الجديد. فمن احتلال العراق إلى العدوان الصهيوني على لبنان في تموز عام 2006 ثم الاستيطان والتوسع، مرورا بما وصلت اليه أوضاع اليمن وسوريا والسودان .. إلى تسريع عمليات التطبيع لتمرير صفقة القرن، وصولا لتجنيد كافة القدرات التقنية والتكنولوجية والعسكرية والامنية والمالية اللازمة في تصرف الكيان الصهيوني، وتحضيره وتجهيزه ليقوم بوظيفته المباشرة في قيادة الهجوم تحت المظلة الاميركية. وهذا ما جرى في حرب غزة، والتتمة الجارية اليوم في لبنان. وهذا ما تؤشر اليه مواقف بايدن وإدارته، وخطابات نتنياهو النارية الخارقة التي لا تتناسب مع حجمه وقوته لولا المزراب الاميركي المضمون. والخلاصة، محاولة لإستعادة مسك أوراق اللعبة القائمة في المنطقة، تمهيدا لتطويعها، وفرض الشروط الاميركية بمرحلتها الجديدة.
الحروب ميزة من ميزات الامبريالية الاميركية تلجأ اليها كلما شعرت بتهديد استراتيجي يؤثر على مصالحها وهيمنتها. ومتغيرات المنطقة مقلقة لها. وما زاد من هذا القلق تجلي إنعكاسات نجاح عملية المقاومة الفلسطينية في 7 اكتوبر 2023. لذلك، استنفرت الادارة الاميركية، وسارعت لإنقاذ قاعدتها الصهيونية، ورفع كل المحظورات الدولية لغض النظر عن حرب الإبادة في غزة وكل الممارسات الإرهابية الصهيونية. إلى جانب نشر أسطولها في المنطقة وتحصين قواعدها العسكرية، وبدأت برسم الخطوط الحمراء للقوى الدولية والاقليمية بعدم التدخل، وإلا فإن الحرب الشاملة في المنطقة قادمة. وقد اعُذِر من انذر. وفق هذه المنهجية، فإن الهدف الاميركي الصهيوني في حرب غزة يندرج في إطار تصفية القضية الفلسطينية بعد ضرب قوى المقاومة الفلسطينية وتنفيذ التهجير. وإغلاق هذا الملف.
ولما لم تحقق الخطة الموضوعة أهدافها المعلنة في غزة والضفة بفعل الصمود والمقاومة والدعم الاممي للقضية الفلسطينية. لا بل، فعلت العكس، بحيث أعادت للقضية وهجها وحضورها ومشروعية مقاومتها في المحافل الدولية. يجري الآن تنفيذ خطة هجوم "الهروب إلى الامام" على لبنان. فبدل البحث عن حل لوقف الحرب في غزة والخروج من المأزق الصهيوني والاميركي، فإن عقلية الاستعمار والسيطرة ما زالت متحكمة لدى الامبرياليين، على إعتبار أن خطتهم لم تفشل بعد. وعليه، يجب إجتثاث المقاومة على مستوى المنطقة كلها. وفي هذا السياق، يأتي العدوان الصهيوني الاميركي الغاشم والغشيم على لبنان وشعبه ومقاومته ليصب بهذا الاتجاه. بعد أن إطمئن رادر البحث والرصد والمراقبة الاميركي بعد عام من الحرب على غزة، أن لكل من الصين وروسيا قراءتها الخاصة وحساباتها وأجنداتها ومصالحها وانشغالاتها المختلفة. وهذا لا يعني التماهي مع المواقف او الخطة الاميركية. بل، يعني أن التقدم الاميركي في المنطقة لن يقابل بمواجهة من كلا القوتين العظميين. لذلك، فإن الايعاز الاميركي لتحرك العدو الصهيوني القيام بتجربة التحرش بالإيراني وإغتيال الشهيد اسماعيل هنية في طهران، وقبلها بساعات جس نبض حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت بعملية اغتيال استهدفت الشهيد فؤاد شكر. هاتان الضربتان وردود الفعل عليهما، شجعتا لاحقا شركاء العدوان ( الاميركي – الصهيوني) على التمادي اكثر ، والقيام بسلسلة ضربات وإغتيالات خاطفة ومتلاحقة لكسر ظهر حزب الله، وصولا لإغتيال رمز مقاومة المحور السيد حسن نصر الله. وبعدها الإعلان عن بدء تنفيذ العدوان الوحشي المباشر على لبنان. وهو عدوان عسكري وسياسي مترافق الاستعدادات الميدانية والبيانات اليومية المنسقة بين الاميركي والصهيوني التي تحذر علانية ايران من التدخل فيها. ما يعني أن هذا العدوان الذي بدأ في 17 أيلول/ سبتمبر، يعد "تجربة اختبارية" هدفها المباشر، القضاء على المقاومة اللبنانية وإلتحكم بورقة لبنان السياسية، وغرضها الاستراتيجي استهداف إيران وتحجيم دورها. تمهيدا لطي مرحلة، وفتح صفحة جديدة لمرحلة سيطرة العصر الاميركي – الصهيوني في المنطقة.
الوقائع، باتت واضحة في المخطط الامبريالي – الصهيوني. أما من هو معنا أو ضدنا ، فالميدان هو البرهان. وحتى لا نغرق بحرب الإشاعات الامبريالية والصهيونية التضليلية، وبالكم الهائل من تعليقات محللي "الديلفري" الاستراتيجيين على كافة المستويات، وحتى لا نفقد البوصلة في تأكيد او نفي هذا الكم من الاتهامات، أو البناء على نظريات المؤامرة .. فهذه جميعها، تشكل جزءا من الحرب المعنوية والنفسية يريد العدو زرعها لتدميرنا. وبالتالي، فإن ثقافة الصمود والمقاومة تقتضي مواجهتها بتعميم الثقافة الوطنية، والاعلام المقاوم ، والتكاتف والتعاون، وبما يخدم قضيتنا لتظهير المشروع الوطني الشامل، وفي مقدمتة تعزيز" جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وخطة الصمود الشعبية الشاملة"، لتحصين وحدتنا، ومراكمة خبراتنا وقوانا في المواجهة. ولو كنا وحدنا في الميدان. فهذا خيارنا سابقا، وسيبقى ويستمر بقوة ودفع وكرامة وعزة، فنحن أصحاب حق وقضية، وأبناء المقاومة والتحرير.
نقول، وبعيدا عن التبجح أو العنترية. هناك معادلة مثبتة في التاريخ. وهي، من يعتقد بأن العدوان على لبنان سينتهي عند حدود لبنان، هو فاقد للبصر والبصيرة.
فمعركة لبنان مصيرية. الرابح فيها، سيغيرمعالم وجه المنطقة برمتها، وسيرسم حالة من أثنين: إما فرض السيطرة الاميركية - الصهيونية بأدوات عميلة. أو سيرسم بداية نهاية عصر القطبية الآحادية للإمبريالية الاميركية وتقزيم دور ووظيفة الكيان الصهيوني المنتفخ والمنتشي الآن، والمنبهر بقدرته على تحقيق كامل أهدافه في لبنان والشرق الاوسط ، بعد سلسلة الاغتيالات الناجحة لقادة المقاومة الاسلامية في لبنان.
اما المعادلة التاريخية المثبتة – النقيض لمشروع الاستعمار الإمبريالي وادواته المتوحشة ، هي، أنه يجرب المجرب. لم يفهم بعد، أن شعوب العالم المضطهدة قاومت وانتصرت. اليوم، مثل الأمس، في لبنان، كما في غزة والضفة والقدس وكل الاراضي الفلسطينية المحتلة، هناك مقاومة وطنية وإسلامية وشعبية، وهي مقاومة تحررية. وقد اختبرها العدو الصهيوني على مدى عقود زمنية طويلة، ويعرف هذا العدو جيداً، أكثر من المهللين والمتخاذلين أو المنهارين والمحبطين اليوم، أو من الطامحين والمستعجلين لشخذ السكاكين الطائفية بإنقلاب طائفي آخر. أن مهمة العدو البرية في جنوب لبنان صعبة وقاسية، وتكاد تكون مستحيلة. فخبرة المقاومة الوطنية منذ 16 أيلول عام 1982 وانتصارات 2000 و 2006 تتراكم لحد اليوم، وهي جاهزة للمواجهة، ومستعدة للمقاومة الطويلة جدا، إذا أصر هذا العدو الإرهابي على إرتكاب خطأ الاجتياح مجددا. فالمقاومة خيار، والتحرير مهمة وطنية كما التغيير. والقضية الفلسطينية ستبقى قضيتنا المركزية. ومعركتنا الوطنية والشعبية واحدة في لبنان وفلسطين ومعنا الشعب العربي وقوى اليسار والتحرر والديمقراطية العربية والأممية حتى تكنيس المحتل الصهيوني والمشروع الإمبريالي واتباعه.
المعركة مصيرية طويلة بين: مشروع الاستعمار والاحتلال والاستعباد أو مشروع التحرر الوطني في لبنان وفلسطين والمنطقة. نحن في أرضنا، بين أهلنا وشعبنا، وسنبقى. والمحتل الصهيوني سيواجه مشروع المقاومة بكل أطيافها واتجاهاتها، إلى جانب الشعب اللبناني الجبار الصامد ، أينما كان وكيفما تحرك. بقوة وعزيمة ملتصقة بالأرض ومرتبطة بالإنسان. وهي جذور سنديانة شعبنا اللبناني والفلسطيني والعربي في مسيرة نضاله ومقاومته من أجل التحرر الوطني الجذري الشامل.
مشروع المقاومة الوطنية سينتصر حتما. أما المشروع الإمبريالي – الصهيوني – الرجعي العربي والنهج التطبيعي الخياني، فإلى مزبلة التاريخ.
2/10/2024

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 425
`


سمير دياب