الانتفاضة ومسارها التصاعدي
58 يوماً على انتفاضة السابع عشر من تشرين الأول /أكتوبر، زادُها إصرارٌ كبير من شعبٍ ضاق ذرعاً بهذه السلطة السياسية الفاسدة ونظامها الطائفي المتعفّن، لأنّه يستحق الحصول على أبسط حقوقه ألا وهي بناء دولة مدنية وطنية.
العالم اليوم على مفترق طرق. ما كان يبدو ضرباً من الجنون منذ عقدين، صار خطاباً منتشراً على كل لسان اليوم. الرأسمالية في أزمة بنيوية، في دول المركز كما في دول الأطراف. النظام العالمي "الجديد" الذي نشأ بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990، صار عالماً قديماً ينتظر اليوم مراسم طيّ صفحته. الرأسمالية التي اعتُبِرت "نهاية التاريخ" تعيش اليوم خريفَها، واليد الخفية التي اعتبرها "آدم سميث" ناظمةً لتوازنات الاقتصاد والمجتمع في ظل الصراع بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج، اتّضح أكثر للناس حول العالم بأنّها يدُ الاستغلال الطبقي الظاهرة، التي تراكم الثروة لدى فئةٍ محدّدة من المجتمع على حساب باقي الطبقات الاجتماعية.
ها قد مضى شهر ونصف على بدء الانتفاضة الشعبية الرائعة، وما زال شعبنا مستمرّاً في الشارع والساحات في جميع مناطق لبنان. ومع أنّ صرخاته المدوّية المعبّرة عن وجعه تردّدها الساحات والشوارع، فإنّها لم تدخل بعد كما يبدو، في اسماع وعقول زعامات الطبقة السلطوية. فهم لم يعتادوا الإصغاء إلى أصوات الناس خصوصاً الكادحين والفقراء ومجمل المظلومين. يزعجهم سماع صوت الرأي الحرّ الحقيقي، والفكر النيّر، والمواقف الوطنية الجريئة.
دخلت "انتفاضة 17 أكتوبر" أسبوعها السادس على التوالي، وسط إصرار من المنتفضين بكافة الساحات وعلى امتداد مساحة الوطن على توحيد مطالبهم ومواصلة تحركاتهم حتى تشكيل حكومة وطنية انتقالية، وتطبيق المادة الـ 22 من الدستور وإقرار قانون انتخابات نسبي وخارج القيد الطائفي، ثم تحقيق استقلالية القضاء واسترجاع المال العام المنهوب والأملاك العامة.
تسجل الانتفاضة الشعبية، انتفاضة 17 اكتوبر، ولأول مرة في لبنان، حدثاً تاريخيّاً بكل المقاييس، وهوحدثٌ سيؤثّر حكماً، ويطبع بطابعه المرحلة المقبلة، وفي اتجاهين؛ أفقياً، على اتساع الوطن وشمولية القطاعات والقضايا، وعمودياً، على مستوى القوى المنخرطة فيه على ضفتي المواجهة؛ السلطة ومكوناتها، والشعب بكليته وبقواه السياسية – الجذرية منها أو المتسلقة على أكتاف المناسبات للاستفادة الآنية من نتائجها– يضاف إليهما الخارج، وهو الممسك ببعض الداخل، من قوى سياسية مرتبطة به وبمشاريعه، والمعني بالأساس، بالتركيبة السياسية القائمة في لبنان، والتي بطبيعتها تابعة بالسياسة والاقتصاد، لتعكس توازنات إقليمية ودولية محكومة بنمط من علاقات الدول ومصالحها.
مسارات الأحداث والتطوّرات المرتقبة خلال المرحلة القادمة ستحدّدها الخيارات والثوابت التي فرضتها انتقاضة الشعب اللبناني في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي. أيضاً لا بد من الإقرار والاعتراف من قبل الجميع على السواء بأن هناك معادلة استجدّت على الساحة اللبنانية وهي تعبّر بشكل واضح وصريح أن ما بعد هذه الانتفاضة لن يكون كما قبله.