سبعون عاماً على تأسيس جمهورية الصين الشعبية


كتبه: لجنة العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي اللبناني

كان انتصار الثورة الاشتراكية في الصين عام 1949 علامةً فارقةً ليس في تاريخ الصين فحسب، بل في مجمل التاريخ الإنساني المعاصر. وحفلت السنوات السبعون الماضية بمسار تقدم ونهوض وتطور حقّق للشعب الصيني تحرره واستقلاله التام عن الاحتلال والاستعمار المباشر أوّلاً (اليابان، بريطانيا، فرنسا..)، وبدء مسار بناء الدولة الحديثة بقيادة الحزب الشيوعي الصيني ثانياً، والانتقال إلى سياسة الاصلاح والانفتاح في إطار بناء الاقتصاد الصناعي المنتج ثالثاً، وصولاً إلى المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي الصيني الذي وضع فيه الرئيس شي جين بينغ مشروعاً كاملاً لتحقيق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد، وبناء نظام عالمي قائم على تحقيق التنمية والسلام والاستقرار على قاعدة المنفعة المتبادلة والمصير المشترك للبشرية.
إنّ القواعد الجديدة للعلاقات الدولية التي تدعو إليها الصين، تعتبر النقيض لما تنتهجه الولايات المتحدة اليوم. فبينما تعمل الاخيرة على فرض سياساتها على الدول بكل الأساليب، وعلى رأسها الحروب، وذلك خدمة لمصالح رأس المال المالي الامريكي، وسعياً لتأبيد السيطرة الامبريالية. تسعى الصين إلى بناء علاقات دولية قائمة على المصلحة والربح المشترك، معتمدة بذلك على طروحات قديمة جديدة، حيث أطلق الرئيس الصيني مبادرة الحزام والطريق التي تعتبر وريثة "طريق الحرير" التاريخي. هذه المبادرة التي تسعى من خلالها الصين إلى إشراك أكبر عدد من دول العالم في مشروع سياسي-اقتصادي تستفيد منه كل الشعوب، وتكرّس نمط علاقات دولية جديد بين الدول، خاصة تلك التي عانت من المنطق السائد في النظام العالمي الحالي، القائم على إخضاع الشعوب ونهب ثرواتها عبر الحروب والتدخلات والعقوبات من أجل ضمان الهيمنة الدائمة للولايات المتحدة.
لقد أدّت سياسات الحزب الشيوعي الصيني في هذه الفترة إلى الانتقال بالصين من دولة زراعية فقيرة يعاني شعبها من الفقر والجوع والتخلّف إلى دولة صناعية جبّارة تملك ثاني أقوى اقتصاد في العالم، حيث حقّقت نسباً تعتبر من الأعلى في العالم خلال الفترة الممتدة بين العامين 1980 و 2010 (وصلت إلى 12%)، وهذا طبعاً ما كان ليحصل لولا أنّ الحكومات الصينية وبقيادة الحزب الشيوعي علمت جيّداً مكامن قوة شعبها، واستثمرت كل هذه الطاقات العظيمة، وهذا ما أتاح لها أن تنتج كل ما يحتاجه شعبها وشعوب العالم من أبسط الحاجيات، وصولاً إلى امتلاكها أخيراً القدرة على أفضل الإنتاج التكنولوجي والعلمي في مجالات الذكاء الاصطناعي والاتصالات والفضاء بحيث ردمت بشكل كبير الهوة التكنولوجية التي كان يمتلكها ويحتكرها الغرب الرأسمالي، وصارت تنافسه وتتقدم عليه في العديد منها. وما الحرب التجارية التي تفرضها الولايات المتحدة على الصين إلا أداة تهدف من خلالها الولايات المتحدة إلى منع الصين من استكمال طريق التطور والتنمية التي تسير به.
أمّا على الصعيد الطبقي، انتشلت هذه النهضة الانتاجية الجبارة مئات الملايين من الصينيين من الفقر والبطالة بحيث صارت على وشك القضاء النهائي على الفقر المدقع بين كل الصينيين البالغ عددهم 1.4 مليار إنسان خلال سنوات قليلة، بحيث انخفضت نسبة الفقر إلى 3% (حوالي 45 مليون) من مجمل السكان بعدما كانت تناهز 80% (أكثر من 750 مليون صيني) سنة 1990. وتسعى الصين من خلال ما يعرف بخطط المئويتين (100 عام على تأسيس الحزب و100 عام على تأسيس الصين) لأن تكون بحلول العام 2050 (الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية) دولةً اشتراكية حديثة قوية مزدهرة تؤمن العيش الكريم لكل مواطنيها، كما أن تكون مساعداً في تعميم السلام والتنمية لكل شعوب العالم، ولا شكّ أن الصين على طريق تحقيق ذلك.
إنّ سياسة العقوبات التي تقوم بها أميركا تجاه الصين وغيرها من دول العالم، ومحاولة محاصرة الشركات الصينية الناجحة، ورفع الرسوم الجمركية وغيرها من سياسات الادارة الأميركية هي محاولات يائسة لكبح جماح النمو الاقتصادي الصيني وتطلعاتها نحو بناء نظام دولي جديد للعلاقات الدولية، لكنّه يعبّر أيضاً قبل كل شيء عن المأزق الأميركي وعجزه عن المنافسة العادلة مع المسار الذي تسلكه الصين بقيادة الحزب الشيوعي الصيني. إنّ العالم الذي نعيش فيه يتغيّر، ولا شكّ أنّ العقود المقبلة ستحمل معها المزيد من التطور والتقدم والتغيّر في موازين القوى الدولية، وهو أمر يخدم مصالح كافة شعوب العالم وبشكل خاص شعوب الدول النامية.
في ذكرى تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لا بدّ من الوقوف أمام هذه التجربة الناجحة والاستفادة من عبرها ونجاحاتها، خاصةً في بلدنا حيث قضت السياسات الريعية التي قامت بها الدولة إلى العكس تماماً حيث انهارت القطاعات المنتجة وتدهورت البنية التحتية وزاد الفقر وهاجر مليون لبناني خلال ثلاثة عقود بحثاً عن العيش الكريم في مختلف أصقاع الأرض. وسيطرت على بلدنا فئة راسمالية ريعية تضاعف الاستغلال الطبقي وتزيد من تركز الثروة بين يديها على حساب باقي مكونات المجتمع. كما يعاني بلدنا من التدخلات الخارجية في شؤونه، وبشكل خاص التدخلات الأميركية التي تريد فرض شروطها السياسية والاقتصادية والمالية علينا، وتقم الدعم الكامل للعدو الصهيوني في ظل انحياز المؤسسات الدولية بقيادة الولايات المتحدة ضد مصالح شعوب منطقتنا. إنّ الحاجة إلى التغيير الجذري هي حاجة ماسّة في بلدنا كما في النظام السياسي والاقتصادي العالمي الذي تقوده أميركا اليوم، ولا شكّ أن طموح وخطة الحزب الشيوعي الصيني للنهوض على المستوى الدولي وتحقيق منظومة جديدة من العلاقات الدولية القائمة على المنفعة المتبادلة ورفض التدخل في شؤون الدول والشعوب هي إحدى الأدوات التي يراهن عليها العالم بأسره من أجل التخلص من سياسات الهيمنة والاستغلال التي تقودها الولايات المتحدة اليوم.
في هذه المناسبة الوطنية العزيزة على الشعب الصيني، نوجّه تحيةً رفاقيةً إلى الحزب الشيوعي الصيني ونهنّئ جمهورية الصين الشعبية في ذكرى التأسيس آملين استمرار مسار التقدم والتطور بما يحقق مصالح وطموحات الشعب الصيني وكل شعوب العالم.

 

  • العدد رقم: 365
`


النداء