روسيا تبادر الاعتراف بالدونباس: ماذا بعد العقوبات

ترأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن الروسي، حيث أبلغ أعضاؤه الرئيس بمواقفهم بشأن مسألة الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، اللتين تعتبرهما روسيا حالياً جزءاً من أراضي أوكرانيا.

وأيد أعضاء المجلس، بينهم رئيس الوزراء، سيرغي ميشوستين، ووزير الخارجية، سيرغي لافروف، ووزير الدفاع، سيرغي شويغو وسكرتير مجلس الأمن، نيكولاي باتروشيف، ونائبه، دميتري مدفيديف، ووزير الداخلية، فلاديمير كولوكولتسيف، ومدير هيئة الاستخبارات الخارجية، سيرغي ناريشكين، فكرة الاعتراف باستقلال الجمهوريتين.

وكان رئيسا جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين ذاتياً، دينيس بوشيلين وبيونيد باشيتشنيك، قد قدما طلباً من رئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للاعتراف باستقلال المنطقتين (20/02/2022)، كما طلب بوشيلين وباسيتشنيك من بوتين إبرام اتفاقات للصداقة والتعاون مع كل من الجمهوريتين بما في ذلك في مجال الدفاع.

وقع الرئيس الروسي قرار الاعتراف بالجمهوريتين. انقلبت الامور باتجاهٍ آخر، بمعنى أن الامور قبل التوقيع ليس كما بعده.

العقوبات ستزداد ، لكن لروسيا منطق آخر . ماذا ينتظر اتفاقيات مينسك؟

هل يسيطر العقل على أصحاب الرؤوس الحامية في كييف؟

ما هوبديل الغاز الروسي، وما هي المصلحة الاوروبية بالرضوخ للقرار الاميركي؟

 ما هو مصير القمة بين الرئيسين بوتين وبايدن؟

من يريد الحرب ومن يقف وراء التصعيد؟

ما هو الموقف الاوروبي من الحوار الجدي مع روسيا؟

هناك أسئلة كبيرة كثيرة تحتاج الى اجوبة عقلانية وبدء الحوار؟

يبقى السؤال الوحيد المطروح حول مزيد من تطور الأحداث. من الواضح أن الاعتراف بجمهوريات الدونباس لا يحلّ مشكلة توسّع "الناتو" نحو الشرق. ولن يكتفي الغرب بفرض كل العقوبات الممكنة ضد روسيا فحسب، بل سيسرّع كذلك في قبول أوكرانيا في هذه الكتلة. أي أن ذلك لن يكون سوى بداية تصعيد الصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

من الواضح، من خلال اعترافه باستقلال الجمهوريتين، أظهر بوتين استعداداً ليس فقط لمواجهة المخاطر، ولكن أيضاً للعمل مع السيناريو الأميركي، الذي ينطوي على صراع عسكري بين روسيا وأوكرانيا.

إن هذا السيناريو خطير للغاية على الاستقرار الداخلي لروسيا إذا استمرت الحرب في أوكرانيا. يضع هذا السيناريو كذلك حداً لإمكانية التكامل السلمي بين روسيا وأوكرانيا في العقود المقبلة، وربما إلى الأبد. لعل ذلك هو السبب الذي جعل بوتين يقاوم التورّط في الصراع الأوكراني منذ 2014، بينما كانت واشنطن تحرص بكل ما أوتيت من قوة جرّ روسيا إليه.

في تعليق عن التطورات الأخيرة حول أوكرانيا، قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، بأن الحديث مع المعتدي بالدبلوماسية فقط أمر لا جدوى منه.

وفي معرض تعليقه على ممارسات سلطات أوكرانيا إزاء السكان في دونباس، قال مدفيديف للصحفيين: "روسيا لم تستطع تحمل هذه الهمجية. لا جدوى من التحدث إلى المعتدي بلغة الدبلوماسية فقط، يجب مساءلته من موقع القوة".

ووصف  نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين بأنه "قرار صعب لكنه الوحيد الممكن"، مشددا على أن بلاده لم تستطع التخلي عن سكان الجمهوريتين.

وفي السياق، لفت مدفيديف، إلى أن حلف الناتو والولايات المتحدة لم يتعلما الدرس من اعتراف روسيا بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، واقتربا بسخرية من الحدود الروسية.

وبهذا الشأن قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي مدفيديف: "في عام 2008 اتخذت (عندما كان رئيسا لروسيا) قرارا صعبا بالاعتراف بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وباستخدام القوة العسكرية والإرادة السياسية، ساعدت روسيا في إنقاذ حياة مئات الآلاف من الأرواح آنذاك، وأعطت درسا لحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة وكل من كانت لديه نوايا عدوانية ضد مواطني روسيا. ومع ذلك، فإن حلف الناتو لم يتعلم الدرس، واستمر في الاقتراب بشكل ساخر ومتعجرف من حدود روسيا، بتوسيع دائرة الأعضاء المحتملين في الحلف"، مشددا على أن الغرب ساعد كييف في تخريب اتفاقيات مينسك وإطلاق يد القوميين والحكومة الأوكرانية الضعيفة برئاسة الرئيس الحالي (زيلينسكي).

صرح المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف بأن روسيا ستحدد ردها على العقوبات الأوروبية بعد أن يكون واضحا محتواها.

وقال بيسكوف للصحفيين ردا على سؤال حول الرد الروسي المحتمل على العقوبات الأوروبية، إنه "يجب أن نفهم عما يدور الحديث أولا".

وكان المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل قد أعلن أن الاتحاد الأوروبي قرر فرض عقوبات على مسؤولين وكيانات من روسيا، بمن فيهم نواب مجلس الدوما بسبب قرار موسكو الاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا.

 يشير المحلل السياسي  الكسندر نزاروف ( روسيا اليوم/ 22-02-2022) الى ان هناك أيضاً مسألة حدود جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. فالآن تسيطر هذه الجمهوريات على جزء أصغر من أراضي منطقتي دونيتسك ولوغانسك السابقة في أوكرانيا. في الوقت نفسه، تطالب الجمهوريات بكامل أراضي هذه المناطق. من غير المرجح كذلك أن تتصالح أوكرانيا نفسها مع هذا القرار دون حرب.

أي أنه من الواضح أنه إذا اقتصرت روسيا على الاعتراف بجمهوريتين فقط، فستتحمل أثقل التكاليف، دون أن تتمكن من حل مشكلة توسع الغرب إلى الشرق. حينها ستكون الولايات المتحدة الأمريكية قد نجحت في تنفيذ السيناريو الخاص بها.

ولا يمكن لروسيا أن تعوض الخسارة في هذه المعركة المحدودة سوى بالانتصار في الحرب بأكملها.

فليس من قبيل المصادفة أن يخرب النظام "النازي" في كييف اتفاقيات مينسك مع سبق الإصرار والترصد. أولاً، أوكرانيا هي دولة مصطنعة، مقسّمة إلى نصفين، الجزء الغربي يريد الانضمام إلى أوروبا، في حين أن الأجزاء الشرقية والجنوبية ترغب في التقارب مع روسيا. وطوال فترة استقلال أوكرانيا كان الرصيد مناصفة بين شقي البلاد، لكن الأغلبية لم يرغبوا الانضمام إلى "الناتو"، بل أرادوا الصداقة مع روسيا.

لكن ممثلي غرب أوكرانيا الآن يستولون على السلطة وهم مستعدون للتنازل عن جزء من أراضي الشرق من أجل تقليص نسبة السكان الروس وتعزيز هيمنتهم في البلاد.

 

تعزيزات اوكرانية  من الناتو

في الوقت الذي يتنظر فيه الغرب "الغزو الروسي" المزعوم لأوكرانيا، تواصل دول الناتو إغداق كييف بالأسلحة التي تعتبر في معظمها هجومية، خاصة أنظمة الصواريخ الأمريكية "جافلين".

وهي أنظمة صواريخ مضادة للدبابات، وقد سلمت واشنطن لسلطات كييف 300 قاذفة "FGM-148" و1200 صاروخ منذ يناير الماضي، بالإضافة إلى قاذفات قنابل هجومية.

بدورها سلمت بريطانيا السلطات الأوكرانية حوالي 2200 قذيفة مضادة للدبابات من نوع "NLAW".

 ونشرت صحيفة " نيزافيسيمايا" الروسية معلومات اشارت الى ان الدولة الغربية  تقوم بتزويد كييف بأنواع أخرى من الأسلحة والمعدات العسكرية، ووفقا لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في الفترة من ينايرم كانون الثاني إلى فبراير/ شباط 2022، تم تسليم أوكرانيا أكثر من 650 طنا من الأسلحة والمعدات العسكرية. بنيها بنادق قنص بنادق قنص وذخيرة ومحطات رادار مضادة ومعدات اتصالات.

ومن المنتظر كذلك أن تصل من الولايات المتحدة 5 مروحيات نقل عسكرية روسية الصنع (من طراز Mi-8MTV و Mi-17V5)، والتي كانت معدة سابقا للقوات المسلحة الأفغانية.

وفي وقت سابق، سلمت الولايات المتحدة زوارق للبحرية الأوكرانية، مزودة بأنظمة صواريخ "ستينغر" المحمولة المضادة للطائرات، والآن قررت كذلك ليتوانيا ولاتفيا تزويد أوكرانيا بصواريخ "ستينغر" أمريكية الصنع.

أما تركيا فقد زودت أوكرانيا بطائرات مسيرة من طراز "بيرقدار"، والتي تم استخدامها بالفعل في دونباس.

بدورها أعلنت بولندا عن مساعدة عسكرية لأوكرانيا، وقال رئيس وزرائها ماتيوز موراويكي إن "وارسو سترسل عدة عشرات الآلاف من قذائف المدفعية وأنظمة دفاع جوي محمولة وقذائف الهاون الخفيفة وطائرات الاستطلاع بدون طيار وأسلحة دفاعية أخرى إلى كييف."

وبدأت جمهورية التشيك بالفعل في تسليم عدة آلاف من القذائف لمدافع "هاوتزر" ذاتية الدفع عيار 152 ملم من نوع "أكاتسيا"، وأعربت إستونيا عن استعدادها لتزويد القوات الأوكرانية من الذخيرة الخاصة بمدافع "هاوتزر" في انتظار إذن من الحكومة الألمانية ، نظرا لأن هذه الذخيرة تم توريدها سابقا من ألمانيا، وبرلين، التي تخشى على ما يبدو من تصعيد الصراع في دونباس، لم تمنح الموافقة بعد.

وأعلنت بولندا عن مساعدة عسكرية لأوكرانيا، وقال رئيس وزرائها ماتيوز موراويكي إن "وارسو سترسل عدة عشرات الآلاف من قذائف المدفعية وأنظمة منظومات الدفاع الجوي المحمولة وقذائف الهاون الخفيفة وطائرات الاستطلاع بدون طيار وأسلحة دفاعية أخرى إلى كييف." على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يطلق على قذائف المدفعية وقذائف الهاون أسلحة دفاعية.

ووفقا لممثلي وزارة الدفاع الأوكرانية، فإن القوات بقيادة المستشارين الأمريكيين تتدرب بشكل أساسي على استخدام أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات وقاذفات القنابل التي ترسلها الولايات المتحدة الاميركية.

 

الصراع في الدونباس

الحرب في دونباس (وتسمى أيضا الحرب في أوكرانيا أو الحرب في شرق أوكرانيا) هو نزاع مسلح في منطقة دونباس من أوكرانيا من بداية شهر مارس عام 2014، خرجت مظاهرات من جانب الجماعات الموالية لروسيا والمناهضة للحكومة مكان وفي مناطق دونيتسك وهانسك من أوكرانيا يطلق عليه "دونباس"، في أعقاب الثورة الأوكرانية 2014 وحركة الميدان.

تشهد دونباس بجنوب شرق أوكرانيا تسارعا بالأحداث تزامنا مع إعلان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين ذاتيا عن إجلاء المواطنين إلى روسيا، وسط تواصل القوات الأوكرانية استهداف أراضيهما.

تصدّر الصراع في منطقة دونباس المتنازع عليها شرق أوكرانيا العناوين مؤخراً، بعد تعزيز روسيا وجودها العسكري على الحدود بين البلدين، ما دفع إلى اتهامها بالتحضير لغزو مشابه لما فعلته في عام 2014 والذي اتُهمت بتنفيذه من أجل دعم الانفصاليين الموالين لها في دونباس في حربهم ضد القوات الأوكرانية.

واتهمت روسيا، أوكرانيا بنشر نصف جيشها الذي يبلغ 125 ألف جندي، في دونباس، في وقت قال فيه الرئيس الأوكراني إن الحرب "لن تُحل دون محادثات". فما هي منطقة دونباس، وما سبب تسميتها، وما هي خلفية الصراع فيها؟

 

التسمية

دونباس هي اختصار لكلمتي "دون" من دونيتسك، و"باس" من باسين بالروسية، أي "حوض دونيتسك"، وجاء اسمها من حوض الفحم الذي اكتُشف في عام 1721 والذي تمت تسميته على اسم نهر دونيتس العابر في المنطقة، بحسب موقع "بريطانيكا". وبدأ استغلال حوض دونيتسك في أوائل القرن الـ19، وبحلول عام 1913 كان ينتج 87% من الفحم الروسي.

وحافظ سُكّان دونباس "عاصمتها مدينة دانيتسك (جنوب غربي أوكرانيا)، ومجموعات موالية لموسكو فيها، على علاقة خاصة مع روسيا بعد أزمة "القرم"، واستمروا في علاقات مفتوحة مع موسكو، وانفصالية عن السلطات الأوكرانية.

وتشتهر المنطقة تاريخياً بحركتها العمالية التي تعيش على مناجم الفحم الغنية بها، كما أنها أكبر منطقة منتجة للحديد والصلب في أوكرانيا. وتعد منطقة تعدين كبيرة ومنطقة صناعية في جنوب شرقي أوروبا، وواحدة من أكبر المجمعات المعدنية والصناعات الثقيلة في العالم.

وفي حوض دونيتسك أيضاً، يتم استخراج الزئبق، كما تتخذ صناعة الأسمنت أهمية كبرى. وتم إدخال مجموعة واسعة من الصناعات الخفيفة وصناعات السلع الاستهلاكية لتنويع الاقتصاد وتلبية احتياجات عدد كبير من السكان.

وضعت الاتهامات بالقصف المتبادل بين موالين لروسيا في دونباس شرق أوكرانيا وبين الحكومة الأوكرانية قبل أيام، الإقليم في صدارة المشهد مجدداً وطرحت تساؤلات عن مدى أهميته خصوصاً أن موسكو لوحت مراراً برغبتها بالاعتراف به كدولة مستقلة.

وفي قلب الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، يكمن الصراع طويل الأمد في منطقة دونباس، المقسمة منذ عام 2014 إلى مناطق منفصلة تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا.

فقد ناشد مجلس الدوما الروسي، الثلاثاء الماضي، الرئيس فلاديمير بوتين الاعتراف بالأنظمة الانفصالية هناك كدول مستقلة.

وتضم منطقة دونباس اليوم الأجزاء التي تسيطر عليها كييف من ولايتي دونيتسك ولوهانسك (المناطق التي تسيطر عليها الحكومة)، و"الجمهوريات الشعبية" الانفصالية دونيتسك ولوهانسك.

ولا يزال خط جبهة دونباس يمثل انقساماً مقلقاً، حيث تتجمع القوات العسكرية الروسية في نقاط مختلفة على الحدود الشرقية والجنوبية والشمالية لأوكرانيا.

يُشار إلى دونباس أحياناً على أنها منطقة متجاوزة للحدود، كونها تمثل جزءاً من منطقة روستوف أوبلاست في روسيا.

ويتضح هذا من امتداد حوض فحم دانيتسك جغرافياً إلى المنطقة المتخصصة في استخراج فحم التعدين التي يُطلق عليها "دونباس الروسية" أحياناً.

ولكن الأخيرة ذات أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية أقل مقارنة بالجزء الذي تم ضمه إلى أوكرانيا بعد عام 1991، إثر انهيار الاتحاد السوفيتي.

ويقول العالم والفيلسوف الأوكراني غريجوري نيميريا: "تزيد أهمية كون المرء من منطقة دونباس عن كونه روسي أو أوكراني الجنسية، ولذلك فإن انهيار الاتحاد السوفياتي يعني بالطبع ظهور الهوية والولاء الإقليمي. وعلى أي حال، فإن الناس لا يحددون العرق الذي ينتمون إليه صراحة، لأن معظم العائلات كعائلتي، لها أصول مختلطة".

 

جذور النزاع

وبدأ النزاع المسلح في شرق أوكرانيا في عام 2014، وأسفر منذ ذلك الحين عن مقتل أكثر من 14000 شخص. ووضعت الحرب قوات الحكومة الأوكرانية ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا للسيطرة على معظم المنطقتين الصناعيتين في دونيتسك ولوهانسك، والمعروفتين أيضاً باسم دونباس.

فقد انتهت المعارك الشرسة في 2014-2015 بثلث أراضي المنطقة، الجزء الأكثر تحضراً، في أيدي جمهوريات دونيتسك ولوهانسك الشعبية التي تصف نفسها بشبه المستقلة، وفق "وول ستريت جورنال".

وبين سبتمبر 2014 وفبراير 2015، وقّعت روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا ما يسمى باتفاقيات مينسك، والتي أوقفت في النهاية الحرب وقلصت القتال بشكل كبير.

لكن الاتفاقيات لم تنفذ قط، وتحول القتال إلى حرب خنادق، حيث يواجه قرابة 75 ألف جندي على طول خط أمامي بطول 420 كيلومترا يخترق مناطق مكتظة بالسكان، وفق تقرير "مجموعة الأزمات الدولية".

ودمرت الحرب اقتصاد المنطقة والصناعات الثقيلة وأجبرت الملايين على الانتقال وحولت منطقة الصراع إلى واحدة من أكثر مناطق العالم تلوثاً بالألغام.

اتفاقات مينسك

وكانت اتفاقيات مينسك لعام 2015 غير مواتية بطبيعتها لأوكرانيا التي كانت تحاول وقت التوقيع وقف القتال في الشرق، حيث عانى جيشها من خسائر فادحة.

لكن السلطات الأوكرانية تعهدت بالتزامها ببروتوكول مينسك، الذي اعترفت بأنه الإطار الوحيد المتاح لتسوية السلام وإن كان يحتاج إلى التحديث، فيما روسيا بالطبع تعارض فكرة مراجعتها، وفق تحليل نشرته "معهد لوي" للدراسات.

وعلى مر السنين، اتفق الطرفان المتحاربان على سحب الأسلحة الثقيلة، وتبادل الأسرى، ووقف إطلاق النار قصير الأمد ولكن ليس أكثر.

لكن وعلى رغم تراجع العنف، توقفت محادثات السلام أيضاً، ولا يزال خط المواجهة الذي يبلغ طوله 427 كيلومتراً يقسم المنطقة الصناعية التي كانت مزدهرة في يوم من الأيام.

 

"صيغة النورمندي"

في موازاة ذلك، وصلت محادثات "صيغة نورماندي" إلى طريق مسدود منذ اجتماع قادة أوكرانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا في ديسمبر 2019.

وفي عام 2019، وافق الرئيس الأوكراني المنتخب آنذاك فولوديمير زيلينسكي على التوقيع على ما يسمى بصيغة شتاينماير، وهي خطة سلام سميت على اسم وزير الخارجية الألماني السابق الذي اقترحها لأول مرة كمسار نحو تنفيذ اتفاقيات مينسك.

وتنص الخطة على منح وضع الحكم الذاتي للأراضي التي تعتبرها أوكرانيا محتلة من قبل روسيا بعد إجراء الانتخابات المحلية والاعتراف بنتائجها من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE).

لكن حجر العثرة كان الخلاف بين أوكرانيا وروسيا حول ما يجب أن يأتي أولاً، الانتخابات المحلية أو مراقبة الحدود.

ويبدو أن صبر روسيا بدأ ينفد من الجمود في عملية مينسك، وقد تكون مخاوف الحرب الأخيرة وسيلة ضغط للتوصل إلى اتفاق مع الغرب، وفق معهد لوي للدراسات.

في المقابل، تتفهم أوكرانيا الخطر وقالت إنها لن تقبل أي تنازلات لروسيا من وراء ظهرها لإرضاء بوتين.

 

أهميته الاقتصادية

وتشتهر المنطقة تاريخياً بمناجم الفحم الغنية بها، كما أنها أكبر منطقة منتجة للحديد والصلب في أوكرانيا.

وتعد منطقة تعدين كبيرة ومنطقة صناعية في جنوب شرقي أوروبا، وواحدة من أكبر المجمعات المعدنية والصناعات الثقيلة في العالم.

كذلك، في حوض دونيتسك، يتم استخراج الزئبق، كما تتخذ صناعة الإسمنت أهمية كبرى. وأدخلت مجموعة واسعة من الصناعات الخفيفة وصناعات السلع الاستهلاكية لتنويع الاقتصاد وتلبية احتياجات عدد كبير من السكان.

 

تدهور اوضاع

وأعلن رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية" دينيس بوشيلين أن تطورات الأوضاع في دونباس تتجه نحو الحرب، بينما نفى سكرتير مجلس الأمن والدفاع الوطني الأوكراني، أليكسي دانيلوف، صدور أي أوامر لتحرير دونباس بالقوة.

وكانت الجمهوريتان الشعبيتان أعلنتا عن بدء إجلاء المواطنين إلى روسيا، تحسبا لهجوم عسكري وشيك من قبل قوات حكومة كييف.

وإثر إعلان بدء الإجلاء، انفجرت سيارة في محطة سيارات أمام مقر حكومة جمهورية دونيتسك، فيما أعلن قائد الشرطة الشعبية في الجمهورية أنه نجا من الانفجار.

 من جهتها، أعلنت المدعية العامة الأوكرانية ، إيرينا فينيديكتوفا ، بدء تحقيق في "الإخلاء غير القانوني" لسكان جمهوريات دونباس المعلنة من جانب واحد إلى روسيا. وكتبت على صفحتها على فيس بوك ، واصفة إجلاء السكان المدنيين من دونباس "بترحيل المواطنين الأوكرانيين".

في المقابل، اعتبرت الولايات المتحدة أن إعلان إجلاء مدنيين من الجمهوريتين يشكل "مناورة" من جانب موسكو تمهداً لـ"هجوم عسكري وشيك".