سلام يا صاحبي*

سلام يا صاحبي* الزميل الراحل وسام متى في موسكو (بعدسة: علاء كنعان)

"صورني معها"

"رفيق، منلتقي بكرا الصبح بالساحة الحمراء؟ بكرا العيد مننزل مناخد كم صورة". منذ عدة سنوات، وردني هذا الاتصال بعد أسبوع على وجودي في موسكو لحضور صف لغة، وبالفعل لم أتردد.

توجهت باكراً إلى الساحة الحمراء، وإذا بصوت يردد ضاحكاً: "عيد لينين عيد الملايين"، وتصدح ضحكة عالية، لا يزال صداها يتردد حتى الآن في تلك الساحة. فجأة تصرخ بنا امرأة مسنة، وتتحدث باللغة الروسية، وإذا بوسام يحضنها ويقول بالعربية: "ما بعرف شو خطرلها هلق بس صورني معها"، ويضيف ساخراً جملة من فيلم مصري: "حنموت كلنا". كانت أول صورة فوتوغرافية التقطتها لوسام متى. منذ تلك اللحظة ونحن على تواصل دائم، وبشكل شبه يومي.

 

بيروت والمركز الثقافي الروسي

كانت معظم لقاءاتنا في المركز الثقافي الروسي حيث كنا غالبًا نصور المسرحيات والأغاني والأعمال الثقافية التي كانت تعرض بشكل أسبوعي. وثّقنا عدداً كبيراً منها. معظم الصور كانت لصفحة "المسكوبية" التي أطلقها وسام. كان تصوير هذه الأعمال متعة لنا، وفسحة تنسيق وضحك وترفيه ومعرفة أعمق للفن والثقافة الروسية. كنا نختم عملنا بجلسة في مقهى مجاور للمركز الثقافي، نتبادل الصور، ننتقي منها الأفضل، وينشرها وسام على الموقع. لم تخل جلساتنا من مفردات مصرية واستعارات من أفلام كان وسام يرددها دائماً لترطيب الأجواء.

من علاقة تصوير وهواية، إلى صداقة واتصال شبه يومي، وعلاقة تطور دائم، ترافقنا في موسكو خلال عدة زيارات، وفي معظمها لم نفارق بعضنا، تنافسنا خلالها على تصوير الشوارع والناس، وعملنا معاً على إنتاج موادّ ومحتوى للصفحة والموقع. تحدثنا عن حلم بافتتاح مقهى في موسكو، وتحدث عن حبه للأكل الجورجي. أكاد أجزم أنّي أستطيع حتّى الآن سماع صدى ضحكات وسام وهي تصدح في كلّ مكان جمعنا. عند مدخل الساحة الحمراء، قرب تمثال "جوكوف"،  نقطة التقائنا الدائمة، أسمع صوت وسام يصرخ: "هون هون تحت التمثال، مش عارف كيف منه بردان هيدا".

في بيروت كما في موسكو جمعتنا الأغاني والموسيقى الروسية القديمة، جمعنا حلمٌ ومشروع واحد: "لازم ننشر المسكوبية أكتر". تعرفت من خلال وسام على الكثير من الزملاء والأصدقاء الذين كانوا في فلكه وتجمعهم ضحكات وأفكار مشابهة له.

جميع من عرف وسام يتفق على طيبة قلبه ورقته، على ابتسامة لم تفارقه وشغف للعمل وإنجازات عديدة كان يعمل ويخطط لها، ومعرفة واسعة بالملفات التي كان يكتب عنها أو يتابعها خلال عمله.

 

موسكو الآن

مرّ أكثر من شهر على وجودي في موسكو، لم أحمل الكاميرا حتى الآن، لم ألتقط صورة واحدة. في كل مرة أفكر فيها بالتقاط الكاميرا، أتراجع، وأقول: "هالمرة مين رح ينشر الصورة؟". أعلم أنّي سأعود للتصوير في موسكو قريباً، لكن ما زلت لا أدري متى.

حتى نصّ هذا المقال أو التحية، لا أعلم كيف أختمه، لكنّي أعلم أن وسام باقٍ في القلب، وفي كل مكان جمعنا سأذكره.

 من موسكو إلى بيروت، إلى المكان الذي تسكنه "سلام يا صاحبي".

 

*فيلم مصري عُرض عام 1987