إسراء الغريب وتشريع قتل النساء

"قتلت إسراء الغريب على يد أهلها"، نقطة. هذا هو الخبر، هكذا يجب أن يكون. لا كلمات توضع بعد هذه، ولا تبرير. منظومة متكاملة من اللوم، من التهديد، من القتل، وأخيراً من مساءلة ماذا كانت فعلت لتقتل، وما سبب قتلها. اليوم تُقتل النساء، تُقتل إسراء، لا لأنها فعلت أي شيء، بل لأنها امرأة، لأن المنظومة بكاملها تقول بأن القانون لا يسري على قتل النساء، لأننا نسأل عن ذنبها هي كلّما قتلت امرأة.

سبب قتلها هو أنهم مجرمون، سبب قتلها هو أن النظام مجرم، وهو أن الذكورية تضع في عقل كل رجل في مجتمعاتنا بأن له حق على أجساد وعقول نساء عائلته، وتضع في عقول النساء بأن لهؤلاء الرجال حقّاً عندهن وعليهن.
اليوم، أجسادنا ملك للمجتمع الذكوري. ما يتكلّمون عنه حقاً هو شرف المجتمع، هو خوف المجتمع على الشرف الذي وضعه بين أفخاذنا، يطلّ عليه كل فترة للتأكّد من سلامته، فيرتاح وينام قرير العين لمعرفته بأنّنا لا نستمتع بأجسادنا، أو نعرفها حتى. وكلّ فترة أيضاً، إذا ما أحسّ المجتمع بتهديد ما لسلطته علينا، يهبّ الرجال للكشف علينا، ولتأديبنا. هو شعر المجتمع لا شعرنا، ورقبته، وظهره وصدره وفخذاه، هي أعضاء المجتمع الجنسية، يقرّر هو عنّا كيف نتصرّف بها. ومن أسوء ما في الذكورية تجييشها للنساء ضد بعضهن البعض. حارسات الهيكل هنّ، القابضات على أعناق النساء، وأعناقهن هنّ. تماماً كما يفعل أي خائن لجماعته، لمن يعيش حياتهم/ـن ويعرف ما يمرّون/يمرُرْن به، ويتآمر عليهم/ـن وعلى نفسه. حارسات الهيكل هنّ، الوصيّات على أجسادهن وأجساد النساء جميعاً، خدمة للذكورية.
وقتلة إسراء يستميتون لتبرئة أنفسهم، وشيطنتها. هناك سرديتان على الأقل حتى الآن، شرفها أو جنّ يتلبّسها.
هكذا، يتفتّق النظام كرهاً للنساء وحريتهن وقرفاً منهنّ. فالمجتمع الذي غالباً ما يتقبّل الحجج العلمية، يتوّقف عن التفكير بمنطق أو علم حينما يأتي دور النساء. إمّا شرف، مخلوق هيولي يتغامزون لذكره خوفاً من تسمية أعضاء النساء التي يستخدمونها للإهانات والسباب ليل نهار، أو جن. جنّ يا أمّة الله! وماذا يفعل القاضي/ـة ونصوصه القانونية والمنطق الذي يحمله ومئات السنين من نقاشات الأخلاقيات، أمام متّهم لا يستطيع مقاضاته؟
مخلوقان خرافيان تُقتل النساء لأجلهما، أسوأ ما في ميثولوجيا الشعوب كلّها، ينادى عليه من القبور، يتمّ إيقاظه من سراديب التاريخ ليستخدم لقتل النساء. الشرف والجنّ؟ لم لا نقول مومياء قتلتها، أو تنين أزرق، أو وحش مرقّط بخمسة عيون وثلاثة أرجل وخمسة عشر لسان؟ لا جنّ ولا شرف ولا أيّ من المخلوقات العجيبة التي سيستدعيها حرّاس الأخلاق، لنسمِّ قاتل النساء، منظومة متكاملة، الذكورية بكل كرهها لنا واحتقارها لما نكونه.
قُتلت إسراء، الغريبة بين أهلها مثلنا جميعاً، كما نقتل كلّ يوم قليلاً، في هيكل سلطة رجال العائلة علينا.
قتلت غريبة، كما نكون كلّ يومٍ، في غربتنا عن أجسادنا وحيواتنا وأحلامنا وحقنا بالعيش.
كل النساء غريبات تحت هذا النظام. وإسراء اليوم في ما نسمح بقوله عنها وعن قصة قتلها، أكثرنا غربة، أكثرنا تعباً، وأكثرنا وحدة.

# موسومة تحت :
  • العدد رقم: 364
`


جنى نخال