الحملة الأميركية على المقاومة ومقتضيات تعزيز لبنانيتها سياسياً وشعبياً

يواجه شعبنا اللبناني حالة معاناة شديدة القساوة، لم يواجه مثلها إلاّ منذ حوالي مائة سنة. وتترابط أسبابها مع أوبئة متعددة لا تقتصر على وباء كورونا المستجد،بل تشمل ما يتسبب بأخطار على الوطن والشعب، مثل وباء الطائفية، ووباء الفساد المستشري ونهب المال العام. ووباء تردي الأخلاق والقيم وشراسة التمسك بالمواقع السلطوية الخ. واستغلالاً لهذه الحالة المأزومة، يتعرض لبنان الى حملة أميركية ترمي الى إخضاعه لشروط سياسية واقتصادية ترتبط بالمخطّط الأميركي الصهيوني، من صفقة القرن، إلى قانون قيصر. وتتركز لبنانياً على حزب الله، ليس بسبب طابعه المذهبي الذي يتماثل مع أحزاب الطوائف الأخرى في السلطة، بل لإضعاف وضرب دوره المقاوم الذي يقلق إسرائيل.

وقد أثبتت المقاومة بكل تلاوينها، قدرة شعبنا في تحرير أرض أول بلد عربي بدون قيدٍ أو شرط، من بيروت عام 1982 إلى الحدود عام 2000. وإفشال عدوان تموز عام 2006. ولا تخرج نوايا وشروط صندوق النقد الدولي، حيال لبنان، عن الضغوط الأميركية وأغراضها. فهي ترمي الى فرض أعباء إضافية على شعبنا، تتصل بإلغاء الدعم عن بعض السلع الضرورية، وصولاً الى بيع أصول الدولة، للذين سرقوا المال العام، بدلاً من محاسبتهم وتدفيعهم، ما سرقوه أو غنموه من عطاءات المصرف المركزي.
ومع تزايد الضغوط الأميركية ضد حزب الله كمقاومة، بتنا نرى قوى وشخصيات سياسية، كان صمت بعضها مشابهاً لدور الخلايا النائمة بانتظار اللحظة المناسبة. فإضافة الى إرضائهم أميركا، يستهدفون الانتفاضة والمناخ الشعبي العام الذي خلقته، ضد المنظومة السلطوية الفاسدة، موالاة ومعارضة، لتشتيت قوى الانتفاضة وخلق مناخ سياسي مختلف، بزجّ موضوع المقاومة وسلاحها. علماً بأن هذا الموضوع، وثيق الارتباط بأمرين أساسيين: الأول، يتعلق بمطامع إسرائيل بأرضنا وثروتنا البحرية ومياهنا، وباستمرار خرق سيادة بلدنا وبتهديداتها المستمرة. والثاني بمدى توافر القدرات العسكرية اللازمة لتمكين جيشنا ودولتنا، من ردع هذا العدو وعربدته المتكررة، وحماية لبنان جواً وبحراُ وبراً. فضلا عن أنّ عداء إسرائيل للبنان، هو أصلاً عداء لنجاح التعدّد في مجتمعنا، كونه نقيض لإقامة دولتها على أساس ديني عنصري.. والمشكلة هي في أن السلطة ، ومنها المندفعون للحملة على سلاح المقاومة، لم يُقدموا منذ 30 سنة حتى الآن، على توفير القدرات المذكورة للجيش، كي لا يزعجوا خاطر الولايات المتحدة، التي تعتبر أمن إسرائيل ودورها العدواني أولوية لها في المنطقة. هذا مع أن الطبقة السلطوية واللبنانيين عايشوا عملياً، سقوط مقولة "لبنان قوي بضعفه". ومقولة حمايته "بالضمانات الدولية". وقد أظهرت اعتداءت إسرائيل المتكررة، أن هذه المقولات ليست إلاّ سراباً وخداع. وطالما بقيت إسرائيل مستمرة بمطامعها وعدوانيتها حيال لبنان، والدولة غنير محصّنة لردع هذا العدو، فإن وجود المقاومة يبقى ضرورة وطنية وبالتنسيسق مع جيش الوطن. ولا أنطلق في رأيي هذا بوصفنا مؤسسي العمل المقاوم، بل من مصالح لبنان الوطنية وحق شعبه في التصدي للعدوان والاحتلال. لكن ما ينبغي الإشارة إليه، إسترشاداً بالحكمة الشعبية القائلة "صديقك من صَدَقَك لا من صدّقك" هو ما يشوب بعض المواقف التي تشكل خللاً وحساسية، يستفيد منها دعاة الحملات على المقاومة، لتأليب الناس، ولتغطية ارتباطاتهم السياسية، بمزايدات الحرص على السيادة اللبنانية. فلكون حزب الله هو حزب لبناني، ولا يمكنه أن ينفصل عن شعب لبنان، يبرز خلل هنا في تصاريح ومواقف، تظهره في تبعية لإيران أو إمتداد لها. في حين أن التضامن والتعاون بين قوى متلاقية موضوعياً في مواجهة العدو المشترك، ومخططاته العدائية في المنطقة ولبنان، هو أمر طبيعي، لكن من منطلق المصالح اللبنانية وظروف وخصوصية لبنان. والخلل الآخر،هو في ضعف الاهتمام بقضايا الشعب ومعاناته اجتماعياً ومعيشياً، الناجمة من سياسات السلطة ومنظومتها الفاسدة ونظامها الطائفي العفن. فالابتعاد عن الإهتمام في هذه القضايا، يتناقض مع جوهر مقاومة كل أنواع الظلم ، سواء من عدوّ خارجي أم ظلم داخلي. والخلل النافر في هذا السياق، هو استغلال نفوذ المقاومة ووضعها في موقع تصادمي مع التحركات الشعبية للانتفاضة، وبشعار محض طائفي ومذهبي، هو "شيعة شيعة شيعة". وهذا يضرّ بالمقاومة، وبالوحدة الداخلية، وبالقضايا الاجتماعية والمطالب الشعبية ضد الإفقار والانهيار والفساد المستشري والجوع، الذي يطال أكثرية شعبنا الساحقة بمن فيهم جماهير الجنوب والبقاع.
ويستدعي لفت الانتباه أيضاً، إلى أن بعض ممارسات متفلّتة، ولو جزئية، مثل استفزاز شبيبة يتنزهون على ضفّة نهر الليطاني، أو بعض الناس لأنهم يسمعون الموسيقى، أو يشربون زجاجة بيرة مثلاً، تخلق اشمئزازاً وصورة لا تفيد حزب الله. فنمط الحياة الشخصي هو حق لكل شخص. ولا يجوز فرض أمور كهذه بالإكراه.
لقد كشفت التجربة أن ضمانة المقاومة ليست ممَّن ينتظرون فرصة لطعنها في الظهر، غير آبهين بمصلحة لبنان الوطن، بل باكتسابها التعاطف والالتفاف الشعبي حولها في المدى اللبناني، من خلال تبني قضايا الشعب، وإخراجه من هوّة الإفقار والجوع، وبناء لبنان الوطن الحصين، ودولة المواطنية والعدالة الإجتماعية.